في أسبوع الشهيد من كل عام تستدعي ذاكرتي تضحية أعظم شهيدين عرفتهما في حياتي كلها وعرفهما الناس كلهم، الأول هو فخامة الرئيس الشهيد صالح الصماد (رضوان الله عليه) الذي قال في كلمة له على رؤوس الأشهاد: «لو يستشهد صالح الصماد غداً ما مع عياله مكان وين يرقدوا، ما معهم إلا أن يرجعوا مسقط رأسهم»، واستشهد فخامة الشهيد، ليصبح رئيسا للشهداء والأحياء معا، وسوف يبقى كذلك إلى يوم يبعث. والثاني هو الأستاذ والصديق والزميل والأخ الشهيد عبدالكريم الخيواني (سلام الله عليه) الذي كتب منشورا يوضح أن هناك من اتصل به ويقول له إنه شاهد صورته في معرض صور الشهداء بصنعاء، وكان رد عبدالكريم أن لعل في ذلك خيراً، واستشهد كريم الذي عاش كريما في قلوب وعقول الناس حيا وشهيدا.
كلما بدأت فعاليات أسبوع الشهيد، أتعلم في كل عام من هاتين الشخصيتين أن المجد لأصحاب الكرامة وأن الشهداء عشاق ربنا وغادرونا إلى السماء وفي الوقت ذاته يمشون بيننا على الأرض، يبتسمون ويلوحون بأيديهم فرحين لنا بالنصر والعزة والكرامة، فسلاما أيها الشهداء، فالشهداء هم الذين يكملون هذه المسيرة، أحياء يرزقون، بهم عرفنا الله والحق وعظمة نهج هذه المسيرة، بهم تعلمت أنه كلما زاد عدد شهدائنا اقترب مشوار النصر والعزة والكرامة من نهايته، وكلما تزايد عدد الشهداء تناقصت فرص الأعداء..
من حق الشعب اليمني أن يحتفل ويحتفي بأسبوع الشهيد. افرحوا واحتفلوا بالشهداء الذين ارتقوا إلى ربهم وهم يحاربون ويقاتلون ويفضحون ويعرون تحالف العدوان، واغضبوا من أولئك الذين يرفعون راية الاستسلام للعدو بدعوى السلام لحقن الدماء. احتفلوا بأسبوع الشهيد في كل عام وفي كل شهر وفي كل يوم وفي كل ساعة وفي كل حين، لأن هذا الاحتفال وهذا الاحتفاء بالشهداء يحفر بالسكين صور الشهداء على صدور وظهور الأعداء، فإذا أراد العدو أن يمحوها لن يكون له ذلك إلا بالنار.
إن الأمم والشعوب التي لا تُهزم هي التي لديها شهداء بشروا أنفسهم بالشهادة واقتنعوا مسبقا ببيع أرواحهم من أجل عزة وكرامة قضية أمتهم وشعبهم، فربما جيوش الأمم وجنود الشعوب يخسرون بعض المعارك والحروب، وربما يعانون من استبداد أو فساد أو حتى خيانة، لكن تبقى دماء الشهداء حتى يتحقق نصرها وتحقق أهدافها وعزتها، حتى لو تحدت العالم كله وتحداها العالم كله، فقد قيض الله النصر لعباده المؤمنين بحقهم في التضحية والصبر والثبات.
لو درسنا في كل احتفال واحتفاء بأسبوع الشهيد حكاية وقصة لنماذج من الشهداء، صغيرهم وكبيرهم، لتعلمنا الكثير والكثير، ولسبقنا زمننا هذا وزمن غيرنا القادم بمئات السنين. فعلى المستوى الشخصي لقد تعلمت من شخصيتي الشهيدين الصماد والخيواني، ألا أتقبل أي شيء على عواهنه، وأن أقلب الأمر على وجوهه المتعددة، الظاهرة والباطنة، وأن ألتمس جوهر الحقيقة، بينما علمتني السياسة أن المراوغة باب الأكاذيب، وأن المماطلة مدخل لخيانات مستمرة وخداع لا ينتهي، وعلمني الوعي أن الحق يحتاج للإيمان والضمير والقوة والتضحية، وأن ما لله هو لله وحده لا شريك له، أما ما لقيصر فهو للشعب كله..
* نقلا عن : لا ميديا