|
شهيد الشعراء وشاعر الشهداء
بقلم/ عفاف محمد
نشر منذ: 3 سنوات و 8 أشهر و 27 يوماً السبت 27 فبراير-شباط 2021 07:39 م
الشهيد المجاهد/ زيد علي مصلح: شهيد الشعراء وشاعر الشهداء
إنه لمن الضرورة بمكان أن نعكف على دراسة الشعر الثوري والأدب المقاوم الذي رافق المسيرة القرآنية منذ مرحلة التأسيس وساهم في إشعال جذوة الحماس وإحياء ثقافة الجهاد كما خاض معترك الصراع الفكري بذخيرة المفردة وسلاح المنطق وأثبت قدرته السحرية في فتح مغاليق النفس ومصاريع الذهن.. لقد استطاعت المسيرة المباركة أن توظف ملكات الإبداع الفني في مجال التوعية الإسلامية والإرشاد الديني فبرز في أوساطها الخطيب الإسلامي المتمكن والمذيع الرسالي المتفنن والشاعر الثوري المفلق والمنشد الحربي المتألق…إلخ الذين أثروا المكتبة الصوتية بمئات الأعمال الإبداعية الخالدة التي أصغت إليها مسامع القلوب وأمسكت روعتها بمجامع العقول.. ولأننا بصدد الحديث عن روائع الإبداع الحصري لقرائح الشعر الثوري وحناجر الإنشاد العصري؛ فسيكون لنا وقفة لها جمالها وخصوصيتها.. وقفتنا في هذه المادة التوثيقية مع السيد العلامة الشهيد زيد علي مصلح رضوان الله عليه الذي كان الرائد الأول وكان له الدور التأسيس في مجال (الشعر والإنشاد) فقد بدأ بتأهيل أوائل المنشدين منذ أيام التدريس للعلوم الشرعية في المدارس العلمية والمراكز الصيفية التي أخذت تستعيد نشاطها في أداء وظيفتها الرسالية في مطلع تسعينيات القرن الماضي وكانت بمثابة الفترة الممهدة لانطلاقة المشروع القرآني للشهيد القائد رضوان الله عليه.. كان السيد الشهيد زيد علي مصلح شاعرا مفلقا في الوقت الذي كان فيه عالما محققا وفقيها مدققا، فجاءت قصائده زاخرة بالبصائر القرآنية والمعارف الربانية التي تنم عن غزارة علمه ودقة فهمه لحقائق العقيدة ومقاصد الشريعة، ولأن الأستاذ الشهيد زيد علي مصلح كان على حظ وافر من العلم والحكمة والرشد فقد كان الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه يكلفه بنيابته والقيام بدوره في أداء الكثير من المهام والمسؤوليات وإلقاء كلمات المناسبة نيابة عنه في بعض الاحتفالات والفعاليات.. وللقارئ الكريم أن يقرأ عن سيرة و مسيرة هذه الشخصية العلمائية المجاهدة في مقدمة ديوانها الشعري (فجر الشهادة ) الذي حققه الأستاذ الأديب ضيف الله حسين الدريب فقد بذل في تحقيقه جهودا مشكورة ويشتمل الديوان الشعري الفريد على درر القصائد وغرر الفرائد.. ونكتفي هنا بذكر مقتطفات من روائعه الشعرية لترشد القارئ الكريم إلى معرفة جانب من جوانب عظمة هذا الرجل المجاهد العظيم صاحب الكلمة الفدائية الشهيرة (سأجعل من مترسي هذا سلما للنصر أو معراجا للشهادة).. وفي ما يلي إطلالة تعريفية سريعة على شاعرنا الشهيد: هو الشاعر الشهيد /زيد علي مصلح سند تاريخ الميلاد 1384 هجري1964ميلادي من أبناء منطقة مران استشهد في الحرب الأولى بتاريخ 18 جمادي الأولى 1425هجري الموافق 5/7/2004م.. نشأ شاعرنا في بيئة معمورة بالالتزام الديني من تقوى وصلاح وخصال حميدة ،كان لتلك البيئة الإيمانية والأجواء الروحانية التي عاش فيها أثرها الفاعل في تيشكيل من شخصيته وإكسابه مواهب الصعود إلى المعالي.. اتسم شهيدنا العزيز وشاعرنا القدير بالخلق النبيل والطبع الكريم كان ينظر لكل ما حوله بعين المؤمن التقي الكيس الفطن ويتفاعل مع واقعه بحس الشاعر المرهف.. تأثر بكل ما حوله من جمال الطبيعة الساحرة التي تغنى بها في قصائده.. كتب العديد من القصائد الفصحى عن كل مشهد وحدث عاشه، بإحساس مرهف نبيل، وانسابت قصائده بلاغة وفصاحة، وكان سلام الله عليه الفنان المبدع الذي يرسم بريشة سحرية لوحات فنية تبهر العقول وتأخذ بمجامع القلوب وتترك في النفس الأثر البليغ.. كانت نفسه الزاهدة والشامخة ترفض الظلم وتأبى الضيم وسطر في ذلك ملاحم شعرية تتفجر عنفوانا وإباء. كان قد أقتبس من نور السيد العلامة بدر الدين بن أمير الحوثي رحمة الله تغشاه واكتسب من سماته الطاهرة فأضحى على إثر ذلك مجاهدا صنديدا، وللحق مناصرا وحصنا منيعا، وعن درب الأولياء الصالحين لا يحيد.. عمل مديراَ في مدرسة الإمام الهادي (عليه السلام ) واجتهد لنشر الهدي القرآني.. استقبل العديد من طلاب العلم من كافة المناطق والمحافظات اليمنية وكان لهم خير معلم ومرشد وهاد إلى طريق الحق.. كان صوته يصدح بالحق جهورا، وتفرد بأسلوبه من على المنابر وجعل كل من يتلقى حديثه يتأثر به أيما تأثر لما يجد في كلامه المنظوم والمنثور من قوة عارضته وروعة أسلوبه وبلاغة طرحه.. كانت سطوة الباطل تستفزه ويسعى جاهدا لمحاربته ولأنه صادق الإيمان طاهر القلب من المعاصي والأدران عيناه مفتوحتان عين على الأحداث وعين على القرآن فقد كان يتألم مما تعيشه الأمة الإسلامية من استعباد وذل وهوان وعبَّر الكثير من قصائده عن رفضه لهذا الحال.. كان الجهاد في سبيل الله أسمى غاياته وأزكى عباداته التي وهب عقله ولسانه وحياته من أجلها وقد، سطر هذا الشهيد في أعظم المواقف التي خُلدت في الذاكرة وفي الوجدان، وقد تطرق إلى الكثير من ملامح شخصيته ومحطات حياته صديق دربه الأديب والشاعر ضيف الله الدريب، حيث سطر سيرته المجيدة في كتابه الذي أسماه “فجر الشهادة ” وهو عنوان إحدى قصائده المشهود لها بالإبداع كان عشقه للشهادة ينعكس في تحركه الدؤوب ويترجم بكتاباته هذا التوجه الرباني التي جبل عليه، والى جانب جهاده في ميدان القتال كان كذلك في الميدان الثقافي يرعد بخطاباته فتهتز القلوب والمشاعر ،وحين عشق الشهادة صوَّرها كالفجر البهيّ الذي يبزغ بخيوطه المضيئة فينير الدرب للسالكين إلى معارج الكرامة الربانية، ومما قال في ذلك: لفجر الشهادة قلنا نعمْ ولِلذات لا، لا، ولا للصنمْ نعم للكتاب نعم للقتال ولا للسّهاد ولا للعدمْ نعم للجهاد نعم للنضال ولا للحياة بحُلك الظٔلم نعم للرصاص بصدر العدى ولا للإهانة لا، للألم وربِّ البرية لن نستكين ولن نعلن الذل بعد القسم تفجر في الأرض أفكارنا لنشفي بالنور جرح الأمم ونعلي (القرآن ) وأحكامه لكي يترك من قد ظلم نحرر بالزند أوطاننا وبالحق نكسر رأس الصنم هنا في هذه القصيدة الشهادة فجر يسطع بين الظلام ولذلك الفجر الساطع يقول الشاعر بكل إباء وعنفوان (نعم)، ولا لتقديس الذات وتقديس الزعامات الصنمية.. وهنا جمال ودهشة وإبداع وذوبان في حب الله، فلا للأنانية وحب الذات ولا للإصغاء للنفس الأمَّارة بالسوء ولا لشياطين البشر.. وهنا جمع جميل بين نزوات النفس وطغاة البشر.. ونعم للقرآن، نعم للجهاد والنضال في سبيل الله، ولا للعدمية واللا موقف، ولا للحياة في دياجي الظلم والقهر والهوان.. ويقسم بالله على المضي قدما في نشر الفكر الواعي، نشر ثقافة القرآن لتحرير العقول والأفهام من قيود الجهل وسلاسل الزعماء الخانعين.. وقد تنوعت المواضيع التي طرقتها قريحة شاعرنا الشهيد في قصائده ومنها مناجاة الله المعبود والمدائح النبوية والعديد من المواضيع التي تلامس هموم الأمة وأفراحها، وأيضا كانت له مساجلات شعرية لعل أغلبها مع الأستاذ ضيف الله الدريب، كذلك كان لشاعرنا جانب شعري هام في الحماسة حيث واكب أحداث المرحلة التي عاشها في ظل الحرب الشرسة على المشروع القرآني من قبل الجيش النظامي العميل للقوى الأستكبارية الأقليمية والدولية آنذاك.. وقد أنشدت معظم قصائده وذلك لقوتها وجزالتها من قبل فرقة الرسالة وغيرها ومنها “بسمة الصبح، التحليق الخالد، حيدر أنت إمامي، نبض القلب، شذا الغدير، أنا ثائر، ثأر الدين، روح الإخاء، ولادة الحياة، نداء وتأنيب، وحي الضمير، الإمام الهادي، أنشودة سلام، الدعوة الشبابية، طائر الأشواق، يا دنيا دعيني، دعاء” وأناشيد تم تسحيلها من قبل فرق إنشادية أخرى مثل “نيران السلام، لإلهي أخضعت جبيني، نداء القدس ،اختر كيف تموت، يا شغوفاً بالغواني، القدس ينادي يا أحرار، مفهوم الدعوة، شبل السلام ،عقيدتي.. ولم يكن الشهيد زيد مصلح مبدعا في الشعر العمودي فحسب، بل لقد كانت له بصماته الإبداعية في شعر التفعيلة أيضًا ونختار لكم بعضا من روائعه في هذا المضمار: عرب اليوم أيُّ عربٍ سائرونْ تحت نير الذل نفخرْ أننا نلنا التطورْ وبأيدينا وضعنا تحت أقدام الطغاة عزنا مجد الأباة آه قد عُفنا الحياة أسفًا قد عافنا ظل الحياة وجفانا غاضبا حتى الضجر وأبانا الفجر عنواناً وأنكر أسفًا فالذل بنا ولى وقهقر فاكتب الحبر دماً واجمع الأدواء والأقذار والفحشاء وارسمها حروفاً مشرحة في هذا المقطع البديع نجد الشاعر يتحدث بحرقة ومرارة وألم، وتهكم وسخرية من حال الأمة العربية وكيف أصبحت تتباهى بذلها وهوانها للطغاة من اليهود والنصارى وكأن هذا الذل والانبطاح هو التقدم والتطور!! وتتردد الآهات في أصداء كلماته وتنزف حروفه دما وتأبى نفسه الكريمة الحياة الذليلة فهي مرفوضة ممقوتة في ظل هذا الواقع الأليم.. وللشاعر قصيدة بعنوان (وزعوني): وزَّعوني أنا لا أملك شيئًا غير نفسي….غير أعضائي وروحي أنا لا أملك شيئًا غير أهداب عيوني….وجفوني أنا لا أملك شيئًا غير (أنياط ) فؤادي…وشجوني غير قلبٍ وهج الآلام فيه يعتريني غير قلبٍ لم يكد يخفق من خوف قريني ولسان بين قضبانٍ بكفيّ سجين وزّعوني واقذفوا سمعي بزنزانٍ لعين سلموا رجليّ رمزاً …أقعد، الدهرَ صموداً إخوتي عن ضعفه فلتقعدوني قدموا كبدي لأمٍّ…مزق الثكلُ مناها في العيون سلِّموا قلبي لقدسي واعذروني امنحوا الأطفال بسماتي وكلّي إن رضوني امنحوا الجرحى دمائي وبهذا طهروني سلموا الجوعى غذائي …وإلى قبر أخلائي اتبعوني في سبيل الله قبل الحيرى اذبحوني فلعلّي أغدو في العلياء حيٍّا ..بعد موتي من حياة تزدريني أنا لا أملك شيئًا … غير اسمي فخذوا الـ (ز) ويائي (ي )وبدالي(د )بدلوني . وزعوني في هذا المقطع الفريد المبحر في أعماق البلاغة والبيان الذي يتموج بالصور الفنية البديعة ويعبق بأنفاس التضحية والفداء والإباء نلمس عظمة الشاعر وسمو نفسه وجمال روحه ومدى إخلاصه وصدقه.. هو لا يملك إلا هذا الجسد وتلك الروح الثائرة، وذلك القلب المتوهج بالإيمان الخافق بالولاء المحترق أسى ولوعة وهو يضحي بذلك كله في سبيل الله.. ،هو لا ينام على وجع الثكالى ولا يطيق دموع اليتامى ولا يصبر على أنين الجرحى وهو في هذه القصيدة لا ينسى القدس قضية العرب المركزية الأولى.. وله في السيد حسين عدد من القصائد، نورد منها هذه القصيدة البديعة: تَدَفَّقَ مِنْ حُسَينٍ نُورُ هَدْيٍ يُرِينا الحقَّ في أَلِفٍ وباءِ . حسينٌ أنت للملهوفِ كهفٌ وآياتُ المحبةِ والوفاءِ . وأنت الجودُ تعطي الجودَ فضلًا وترمي الصفحَ في وجْهِ الجفاءِ . وأنت لدوحةِ المختارِ غصنٌ بهِ تخضـرُّ أوراقُ الثناءِ . وأنت عبيرُ نافحِها المزكّى وأنت قطوفُ يانعةِ الإباءِ . وأنت منيرُ مشـربِها المصفَّى وأنت رحيقُ زهرِ الأصفياءِ . وصـرخةُ حيدرٍ وإباءُ زيدٍ وصوتُ الحقِّ أنت بلا امتراءِ . وأنت ملاذُنا إنْ حَلَّ خَطْبٌ وأنت سلاحُنا عندَ اللقاءِ . إذا ما الزيفُ يحشدُ ساتراتٍ خوادعُهُ ملبَّدةُ الخفاءِ . قشعْتَ ظلامَها وأبنْتَ حَــقًّا تهـتَّك دونَه ريبُ المِراءِ . وإنْ يرْمِ البغاةُ بمعضلاتٍ يلاكمُ زيفَها ثقةُ الذكاءِ . فقأتَ عيونَها بصفيِّ هدي أضاءَ بنورِ أصحابِ الكساءِ . وأنت لمنهج القرآنِ صوتٌ بنورِ الحقِّ يصدحُ في الفضاءِ . وأنت بهذه الدنيا صلاةٌ وتسبيحُ التبتُّلِ والدعاءِ في هذه القصيدة الرائعة يختصر الشاعر كل ما كُتب وما سيكتب في السيد حسين سلام الله عليه ونهضته ومشروعه القرآني. وفيها نلمس عظيم الصدق وصادق الولاء وعميق الحب لسيده وقائده، ويتضح من خلال ذلك كيف كان ذلك العارف اللبيب بعظمة السيد حسين حين جهله الكثيرون. والقصيدة زاخرة بالصور الفنية والجمالية.. وأنت لدوحة المختار غصن به تخضر أوراق الثناء وأنت عبير نافحها المزكى وأنت قطوف يانعة الإباء وأنت منير مشرقها المصفى وأنت رحيق زهر الأصفياء هنا السيد حسين غصن من دوحة المصطفى، وبهذا الغصن أوارق الثناء تخضر! فما أبلغ التشبيه في الشطر الأول وما أروع الاستعارة في الشطر الثاني؛ فالشعر شجرة باسقة اخضرت أوارقها بذلك الغصن من تلك الدوحة المحمدية.. وسيطول بنا الوقت إذا فتشنا عن جماليات النص في كل أبيات القصيدة الطافحة بالجمال.. وفي قصيدة ” *ثورة الشعر* ” يجسد الشعر فارسا بطلا مقداما يفجر النفوس التي لم تستيقظ بعد رغم سياط الظلم والألم! ويسطر بالأبيات ثورة تستنهض الأحرار ويجند الشعب كتائبا وفرق ضد الطغاة.. والشاعر يلجأ لمخاطبة الشعر باعتباره السلاح القوي الفتاك حين كلت السيوف وخارت القوى وتراجعت العزائم، فيقول: يا شعر ثُرْ إنَّ السيوفَ كليلة إلا على الإخوان والإسلام ِ يا شعرُ فَجّر في النفوسِ ضمائراً لم تصحُ من ظلمٍ ومن إيلامِ. سطرْ من الأبياتِ بالدمِ ثورةً تسنهضُ الأحرارَ للإقدامِ قل ذا القرآن أتتكمُ آياتهُ للنصر ترفعُ راية الأعلامِ وتجندُ الشعبَ الأبيَّ كتائباً ضد الطغاة على مدى الأيام فلتأخذوها ولتسيروا فيلقاً يجتث كل براثن الأصنامِ يا شعرُ ضاقت بالولاة بلادنا وبنا استغاث فضاؤها المترامي لكننا مثلُ الشياه يقودها ذئب تَسمىَّ راعي الأغنامِ. |
|
|