ضبط خلية استخبارات بريطانية في اليمن وما جاء في الإحاطة الصحفية، انعطافة هامة في الصراع اليمني الغربي، وتصعيد بريطاني خطير ومتوقع في الحرب العدوانية على بلادنا، وهذه الواقعة تكشف الكثير من الحقائق عن الصراع الجاري في بلادنا، وتثبت ما كانت القوى الوطنية في صنعاء تقوله وتحذر منه، أي وجهة نظرها منذ بداية العدوان بأنه عدوان غربي أمريكي بريطاني قبل كل شيء، ومن يتابع نشاط الإمارات ودميتها "الانتقالي" يجد السمات العدوانية البريطانية القديمة المتجددة.
تتكامل الصورة عندما نقارن بين هذا الاستهداف الاستخباراتي وبين الخطاب البريطاني الأخير، فهو مسار سياسي استخباراتي عسكري عدواني يستهدف الجمهورية اليمنية. ومن أجل فهم خطورة هذا العدوان الاستخباراتي وفهم حجم الإنجاز الذي حققه جهاز الأمن والمخابرات اليمني، علينا العودة إلى قراءة مضمون آخر خطاب رسمي بريطاني حول اليمن.
فقد أجرت قناة الجزيرة مساء الأربعاء 17 فبراير 2021، مقابلة مع السفير البريطاني لدى اليمن مايكل آرون، المعين منذ 2018م.
يأتي سياق المقابلة -وسياق العدوان الاستخباراتي- مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتخفف من معاييره ومواقفه، وبالتالي البحث عن مصالحها أولا، ومع مجيء إدارة أمريكية جديدة غير متحمسة لدعم سياسة السعودية العدوانية، مما يعطي لندن فرصة لتعميق العلاقات مع الرياض.
الخطاب البريطاني -الذي جاء على لسان السفير آرون- عدواني بشكل كبير تجاه الجمهورية اليمنية، يحمل مكون أنصار الله مسؤولية ما يجري في اليمن من حرب وتداعيات إنسانية، فيما يدعم مواقف السعودية وخياراتها العسكرية، كما يدعم وحدة "الانتقالي" و"جماعة هادي"، ضد السلطة الوطنية في صنعاء.
لبريطانيا موقف متشدد من أنصار الله ومخاوف من سيطرتهم على كل اليمن وتعميم ثقافتهم، وبالتالي فهي تتبنى خطاب السلام من أجل عدم تحقق هذا المحظور.
تختلف وجهة نظر بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي ومع إدارة بايدن، إذ يرون في ظاهر خطابهم أن استمرار دعم السعودية بالسلاح يعوق تحقق السلام في اليمن، أما بريطانيا فلا تجد تناقضا بين تصدير السلاح للسعودية والسلام في اليمن، بل ترى أن الخيار العسكري وارد إلا أنه الطريق الأصعب.
تدين بريطانيا العمليات المسلحة اليمنية ضد قوى العدوان والإرهاب التكفيري في مأرب، وتعتبرها مؤشراً إلى عدم رغبة صنعاء في السلام، وتلمح إلى قبولها بتحقيق أنصار الله تقدما في مأرب ما داموا سيتوقفون هناك ويقبلون الدخول في عملية سياسية لتقاسم السلطة في اليمن على أسس غير وطنية، بما يمزق الجمهورية اليمنية؛ والخطاب البريطاني طوال البرنامج يكرر أن أنصار الله أقلية، وبالتالي فهو مستعد لحل يُرسم على أسس طائفية ومناطقية وشطرية، فيما يتجاهل أن السلطة في صنعاء تشاركية بين طرفين مع حلفائهما.
الأطراف الرئيسية في الخطاب البريطاني ونسبة ما أخذته من حديث السفير:
- المرتبة الأولى: أنصار الله، بنسبة 26%.
- المرتبة الثانية: المملكة السعودية، بنسبة 16%.
- المرتبة الثالثة: أمريكا، بنسبة 14%.
- المرتبة الثالثة مكرر: المجلس الانتقالي، بنسبة 14%.
- المرتبة الثالثة مكرر: حكومة هادي، بنسبة 14%.
- المرتبة الرابعة: المبعوث الأممي والوضع الإنساني، بنسبة 10%.
- المرتبة الخامسة: إيران، بنسبة 6%.
من تحليل البياناتد نجد أن الاهتمام الرئيس في البرنامج كان الحديث حول أنصار الله ثم المملكة السعودية.
الخطاب البريطاني عن الأطراف القوى الوطنية في صنعاء:
- تحميلهم المسؤولية السياسية والأخلاقية لتداعيات الحرب باعتبارهم أول من بدأ بالانقلاب على "الشرعية".
- التشكيك بنوايا صنعاء في تحقيق السلام.
- التحذير من خطورة سيطرة أنصار الله على كل اليمن.
- التحذير من خطورة أنصار الله على تغيير الثقافة في اليمن.
- إدانة استمرار عمليات صنعاء العسكرية في مأرب وقصف العمق السعودي.
السعودية:
- تأكيد استمرار بريطانيا في إمدادها بالسلاح والدفاع عنها.
- دعم الرؤية السعودية بضرورة التدخل العسكري في اليمن.
- إدانة تعرض السعودية للقصف من قبل الجيش واللجان الشعبية اليمنية.
أمريكا:
- التأكيد على التنسيق والعمل معها.
- الترحيب بمبعوثها الخاص ودعمه.
- التفاؤل بالإدارة الجديدة.
"الانتقالي":
- تطمينهم بأهمية البقاء في الحكومة المشكلة حديثا مع "جماعة هادي" من أجل الوقوف ضد صنعاء، ومناقشة شكل الدولة اليمنية مستقبلا.
"حكومة هادي":
- الترحيب بتشكيلها وعودتها إلى عدن ووقف الاقتتال مع "الانتقالي" من بعد اتفاق الرياض، ويرى في ذلك خطوة من أجل الدخول في مفاوضات مع صنعاء.
الجانب الإنساني:
- ترديد الحديث عن الدعم وتحميل صنعاء نتائج التدهور الصحي والغذائي.
إيران:
- اعتبار دورها حتى اليوم سلبياً مؤججاً للحرب، وحثها على العمل الجدي من أجل السلام.
أهم التصريحات:
- الترحيب بالإدارة الأمريكية الجديدة ومبعوثها إلى اليمن واستعداد لندن للعمل المشترك معهم.
- التعويل على أداء المبعوث الأمريكي إلى اليمن.
- الترحيب بإلغاء تصنيف أنصار الله جماعة "إرهابية".
- إدانة قصف مطاري عدن وأبها والعمليات ضد مأرب.
- حث إيران على العمل الجدي مع المبعوث الأممي.
- مباركة "اتفاق الرياض" وتشكيل الحكومة وعودتها إلى عدن.
- التفاؤل بإمكانية وجود اتفاق وفق رؤية المبعوث الخاص (وقف إطلاق النار، وقف الحصار، معالجة اقتصادية بالحوار).
المواقف العدوانية:
- التأكيد على دعم السعودية والدفاع عنها كحليف لهم.
- لا يعتقد أن وقف إمداد السعودية بالسلاح له علاقة بجلب السلام إلى اليمن.
- اعتبار الحل العسكري واردا ولكنه الأصعب، فيما الحل السياسي هو الحل الأمثل للأزمة في اليمن.
- دعم رؤية السعودية بأن تدخل "التحالف" في اليمن جاء نتيجة الانقلاب.
- يعتبر أن الوضع في اليمن اليوم من بعد تدخل التحالف أفضل مما لو سيطر أنصار الله على كل اليمن ولم يتم إعاقة تحركهم.
- أنصار الله لا يمثلون اليمن بل أقلية متطرفة.
- الحرب في مأرب مرفوضة وعلى أنصار الله إيقافها.
- المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن ليس بديلا عن المبعوث الأممي.
- إيران تؤجج الحرب في اليمن بدعمها أنصار الله بالسلاح والخبرات.
- تشكيل "حكومة معين عبدالملك" وعودتها إلى عدن أمر مهم، و"اتفاق الرياض" عظيم.
الأمور التي كشفتها المقابلة:
- للسفير علاقة عميقة مع "الانتقالي".
- بريطانيا أحد الأطراف الضامنة لـ"اتفاق الرياض" بين "الانتقالي" و"جماعة هادي".
- السفير له نشاط واسع في الشأن اليمني، دبلوماسية شعبية مع الناشطين والتجار وغيرهم.
- السفير البريطاني متابع دقيق لتغريدات محمد عبدالسلام وحسين العزي ومحمد علي الحوثي.
خلاصة:
الخلية الاستخباراتية البريطانية التي تعمل منذ فترة طويلة في اليمن، تثبت أن السياسة العدوانية في اليمن هي الأسبق، وأن هناك نشاطا بريطانياً خطيراً ضد اليمن، فبريطانيا تفترض أن لها الأولوية دون سائر دول الغرب في الهيمنة الاستعمارية على اليمن، وما خطاب السفير البريطاني بلهجته المشبعة بالتعالي إلا انعكاسا لهذه السياسة البريطانية التي هي ممارسة عدوانية في الملموس التاريخي ولم تعد مجرد توجهات.
* نقلا عن : لا ميديا