أعزائي القرّاء، في إطلالتي لهذا اليوم سأكون مختلفة بعض الشيء وسأنحو منحى آخر في الكتابة والتوثيق لشاعرنا بل لشاعرتنا لهذه الوقفة فلن أكتب مقدمة كالعادة بل سأنتقل للحديث عنها مباشرة وسأختصر حديثي عنها لكني سأطيل في استعراض قصائدها كونها حاضرة بقوة في القصائد المواجهة للعدوان وبالمقابل مغمورة جدا وظهورها في الساحة الثقافية والأدبية خافت يتناقض تماما مع ما ينبغي أن يكون..
نقف وإياكم مع الشاعرة :جهاد اليماني.
مواليد محافظة ريمة، حاصلة على درجة البكالوريوس- جامعة صنعاء /كلية التربية /قسم اللغة العربية.
تكتب فصيح الشعر بفنية عالية وتتقنه معنىً ومبنى قصائدها لا تضاهى لجمال سبكها وحلاوة منطقها وعذوبة ألفاظها وبديع صورها.. لها عدد من الأعمال التي تم تلحينها منها:
انوار غديرك يا حيدر/ للمنشد محمد الديلمي.
بذلوا النفوس/ فرقة الشهيد القائد
سيدة الدنيا والأخرى/ زهرات فرقة الصادق
مشاركة في أوبريت /صلاة الروح، ومشاركة أخرى في أنشودة/ أهلا ببضعة أحمد أنشودة (زهرة الأكوان) لفرقة الشهيد القائد.
فازت بالمركز الأول في مهرجان الرسول الأعظم الموسم الخامس في الشعر النسائي الفصيح، وفازت بالمركز الرابع في مسابقة الهوية الإيمانية التي نظمها اتحاد الشعراء والمنشدين..
وفازت بالمركز الثالث في المسابقة التي أطلقتها حديقة السببعين بين الإعلاميين والكتَّاب في كتابة أجمل مقال عن التسامح والتصالح المجتمعي.
كانت بداياتها في كتابة الشعر في المرحلة الثانوية وفي فترة ما قبل العدوان اقتصرت على المناسبات الدينية وكانت كتاباتها محدودة ونادرة..
ولنتركها تتحدث قائلة:
( الأحداث هي من تصنع الحديث، والكتابة: حالة ذهنية شعورية وجدانية؛ نتيجةً لدافعٍ ما، وفي حالةٍ من الصفاء والتجلي نُطلقها حمماّ، وننزفها دمعا، وفي زمن العدوان الغاشم الآثم الوقح كما عبر عنه السيد القائد -سلام الله عليه- كان لا بد من ردة فعل، واتخاذ موقف لكل من يستظل سماء الوطن ويتنفس هواءه وينعم بخيراته، وكانت المواقف تتشكل بحسب الظروف والإمكانيات والمواهب والملكات؛ فحين يرتدي المجاهد لامة حربه ويمضي ليدافع عن أرضهِ وعرضهِ، فإن الكتابة هي سيفُنا الذي نستلهُ من غمد الوجع؛ لنقارع به البغي والطغيان؛ مادامت هي سلاحنا المتاح والممكن، وحين نرى الأشلاء المتفحمة تحت الأنقاض ونسمع أنين الجرحى وزفرات اليتامى والثكالى؛ فإن الكتابة هي صوت أنيننا المرتفع وهي رجع الصدى المنبعث من أعماق الوجع..
من هذا المطلق أضحى الصمت والجمود والتبلد في ظل هذا الاستهداف الهمجي -شذوذاً وانحرافاً عن الفطرة الإنسانية السوية، والهوية الإيمانية اليمانية؛ فلا يمكن أن تكون يمنياً بل لا يمكن تكون إنسانا، وأنت ترى الجثث المتفحمة والأشلاء المتناثرة في الصالات والأسواق والحافلات والشوارع؛ وتقابل تلك المشاهد بجمود وتبلد؛ بل أحيانا قد تحترق أطراف ثوبك، وقد تلفح نيران القصف صفحات وجهك؛ لكنك تظل قابعاً في صمتك ملتحفا بدثار الحياد البليد، مُعتقلاً في زنزانة الإيدلويجيا المقيتة! لا تستفزك دمعة امرأة!! ولا أشلاء طفل!! ولا أنقاض دار!! ولا دخان مزرعة!.
والكتابة إلى جانب كونها موقفاً ضد العدوان، تفرضه المسؤولية الدينية والأخلاقية والوطنية والفطرة السليمة؛ هي أيضا نافذة الأمل التي تطلُّ منها جروحنا لتبرأ.. وهي المتنفس العذب الذي لولاه لاختنقنا بدخان الألم المتصاعد من أعماق الروح.. ولاحترقنا بنيران الوجع المضطرم في الوجدان، ولو لم نجد لحروفنا من يقرأها سوانا؛ لكتبنا؛ كون الكتابة ضرورة للاستمرار على قيد الأمل والحياة…)
كانت أول قصيدة كتبتها الشاعرة في مواجهة العدوان بعنوان (هاماتنا لن تنحني للعاصفة )وكانت مع أول أيام العدوان، وظلّت تواكب بكتاباتها أحداث العدوان طوال سنواته الماضية..
وجهاد لا تجتهد كثيرا في نشر ما تكتب هي فقط تجتهد في سبك القصيدة وتجويدها لإيمانها بأن الحروف الجيدة ستعرف طريقها للوصول إلى القرَّاء..
وبالفعل شقت الحروف طريقها ووصلت إلى الكثير من المهتمين بالشعر المقاوم وكانت قد لفتت انتباهي وأثارت اهتمامي كباحثة ومهتمة بالشعر فأوصلت عددا منها لشاعر الثورة معاذ الجنيد، فعلّق قائلا : لقد أدهشتني وأذهلتني هذه النصوص!! ومن النادر أن نجد امراءة شاعرة تكتب بهذه القوة فلِتستمر في كتابة الشعر؛ فالكلمة هي أبقى وأمضى..
فنسخت لها التعليق حرفيا فمثل لها خيطا من شعاع وخارطة طريق مضت عليها.. وكان من الذين دفع بـجهاد إلى الأمام الأستاذ محمد الشرفي الإعلامي في إذاعة صنعاء الذي بالغ في الاهتمام بقصائدها وواظب على تقديمها في فترات «يمن الصمود»..
والكاتبة والأديبة سعاد الشامي التي انبهرت بتلك الحروف وحرصت على نشرها في صفحاتها على الفيس بوك والتليجرام محاولةً لفت الانتباه لجميل ما تكتب.
والآن تعالوا بنا نطالع عددا من كتاباتها ونبدأ بقصائد المديح النبوي.. وطبعا هي لم تتجرأ على مدح ذلك المقام الشاهق وبحر النور الذي لا تدركه بحور الشعر، هي فقط تقف على الأعتاب في ( بوح الأسى ..) لتبثه الشكوى وفي (نبض الولاء) تصف عظيم الحب في وجدان اليمنيين ودهشة الاحتفاء بمقامه الشريف في ذكرى مولده:
يا شذى (الفجرِ) يا أريجَ (المثاني)
كيف أتلوك والقوافي شظايا ؟!
سبَّحتْ باسمك الدموعُ وطافتْ
حول معناك -في ذهولٍ -دِمَايا
إلى أن تقول:
أيها المحتفون حباًّ بطه
وزِّعوا الحبَّ لــلثكالى هدايا
وامسحوا دمعةَ اليتيمِ وفاءً
لِـــــيتيمٍ نَداهُ عمَّ البرايا
وارسموا لوحةَ الصمودِ جهاداً
وثِّقُوا النصرَ حيدريَّ الحكايا
والبراكينُ يا أباةُ أرسلوها
(للإماراتِ)(للرياض) سرايا
وابعثوا للحبيبِ أزكى سلامٍ
ولآل الحبيبِ أندى التحايا
وكتبت في سيد الوصيين الأمام علي عليه السلام عددا من القصائد للمولد والغدير والاستشهاد…
وفي (عطر النبوة) و(سيدة الدنيا والأخرى) و(ريحانة الروح) الزهراء البتول سلام الله عليها كتبت عددا من القصائد وما بين الأقواس عناوين للبعض منها.. نقرأ من قصيدة «ريحانة الروح»:
ريحانةٌ في الروحِ لا تذبلُ
وغيمةٌ في خافقي تهطلُ
مشكاةُ نورٍ في دمي أزهرت
وكوكبٌ دري لا يأفلُ
إلى أن تقول:
زهراؤنا روحٌ لأرواحنا
عن حبها القدسي لا تسألوا
فيها وإبنيها وفي بعلها
قد جاء في القرآنِ ما يذهلُ…
ولعل من عظيم نعم الله على المرء أن ينشأ في أسرة متجذرة الحب والولاء والانتماء لله ورسوله وآل البيت وتمتدت جذور هذا الولاء منذ أمد بعيد كما هو الحال مع الشاعرة جهاد، حيث نلمس ذلك في قصائدها المتدفقة حبا وولاء لآل البيت عليهم السلام..
من قصيدتها الحيدرية نقتبس هذه الأبيات التي تخاطب بها أمير المؤمنين عليه السلام:
أحببتك حباً لا أدري
من أين أتى ومتى بكَّر
وشربت هواك فأسكرني
قد خاب فؤاد لا يسكر
في حب وصي رسول الله الساقي في يوم المحشر
من يشرب كأس محبتهِ
فسيشربُ من حوض الكوثرْ…
وسكبت محاضرات السيد القائد وإطلالته النورانية الأبية نهرا من المحبة ليتدفق قصائد عذبة..
نقرأ في قصيدة «تسابيح»:
يطلُّ (حليفُ الذكرِ) ينسابُ ضوؤُهُ
وآي الهدى من غرةِ النورِ تعبقُ
يطلُّ من الأعماق نبضاَ َمرتلاَ َ
فتصغي له الأرواحُ والدمعُ ينطقُ
تُحلِّق في الأفقِ الرحيبِ قصائدي
وقلبُ القوافي بالمودةِ يخفقُ
ولكنها في حضرة (البدر) تنحني
حياءَ َ،وحبا دمعُها يترقرقُ
تشيرُ بصمتِ ِ لستُ أهلا لمدحهِ
فمعناه بحرُ ُمن بحاريَ أعمقُ
تسابيحُ دمعي وابتهالاتُ أحرُفي
ستصغي لما يُوحِيه والطرفُ مطرقُ
ولـجهاد حضور في حضرة الشهداء عموما وفي حضرة الشهداء القادة على وجه الخصوص..
نقرأ من قصيدة (شهيد القرآن) التي كتبتها في الشهيد القائد:
هذا حسينُ البدر في محرابهِ
يا مهجتي صلِّي ويا روحي اسجدي
ليثٌ يمانيٌّ حسينيُّ الإبا
بدرٌ منيرٌ حيدريٌّ أحمدي
ظمِئَتْ إلى قِيَمِ العدالةِ روحُهُ
فرأى كتابَ اللهِ أعذبَ موردِ
فمضى بآياتِ الهدى مُستبصراً
مُستشرفاً ماذا سيحدثُ في غدِ..
وفي الشهيد الصماد نقرأ هذه الأبيات من قصيدة (وتعود ذكراك):
غادرتَ يا عبقَ (المثاني) باسماً
وتركتَ فينا حرقةَ الأكبادِ
خلّدتَ ذكرَك في القلوبِ محبةً
وبنيتَ عزّاً راسخَ الأوتادِ
حلّقتَ في الأجواءِ فتكاً بالعدى
وسطعتَ نجماً في سماء بلادي
وضربتَ يارمز النزاهة والفدا
مثلاً لكل مواطنٍ وقيادي
في صبرِ (عمارٍ) وهيبةِ (مالكٍ)
وصلابةِ (المختارِ) و(المقداد)
والمجاهدون ليسوا الا نجوماً ساطعة تزهو بهم السماء ويحتفي بأقدامهم الحافية أديم الأرض:
بهم تزدهي الأفلاكُ تزَّيَّن السما
وفيهم غدا بدرُ التمام مُتيما
حفاةُ ُ بهم ساحُ البطولات تحتفي
عليهم أديمُ الأرض صلى وسلما
إلى أن تقول:
تتوقُ إلى النصر المبين نفوسُهم
فتمّتدُ كفُّ الغيب للنصر سُلّما
يحلقُ سربُ الإفِّ يعلو هديرهُ
فتصطف آي الذكر من فوقهم سما
ورافقت الشاعرة الأسرى في معتقلاتهم وعاشت نزف جراحهم وحلقت في فضاءتهم الروحية وترجمت مشاعر الأهل بقصيدة حوارية تفيض بالمشاعر الصادقة بين أخت زيبنبية وأسير حسيني تحت عنوان حوار الأعزة وحين عودة عدد من الأسرى ترجمت فرحة اللقاء مقطوعة نقرأ منها:
صلَّت دموعي على فقدانكم زمنا
واليوم عُدتم سروراً يُذهب الحَزَنا
عُدتم فأزهرت الأروح وابتهجت
عُدتم إلينا ضياءً بسمةً وهَنَا..
أهلاٌ بمن صبروا في الله واحتسبوا
أهلاً وسهلاً بكم أبطالنا الأمُنا
وللشاعرة مع الطفولة المذبوحة حكاية ألم ودموع؛ فكتبت بلسان الأطفال وعبَّرت عن عمق جراحهم وذرفت الدموع على أحلامهم المتناثرة وأشلائهم المبعثرة وترجمت شعراً الدمعة المنسكبة والألم المتكدس في الأعماق لأطفال قتلهم الحرمان ومزقهم الألم ..
هنا مقطع من قصيدة (دمعة في فراغ الصمت) التي كتبتها للأطفال ضحايا قصف الحافلة :
تَلظَّتْ بأعماقي جحيمُ مواجعي
وفاضتْ من الطرفِ الكسيرِ مدامعي
أنامُ بآلامي وأصحو بلوعتي
وليلٌ من الأحزانِ يكسو مرابعي
فؤادي كواه القهرُ أحرقهُ الأسى
وما خلْتُ صمتي لا ولا البوحُ نافعي
سأتركُ قلبي عند أشلاءِ يوسفٍ
وأُصغي ليعقوبِ الحزينِ مسامعي
فيا كلَّ سفاحٍ ويا كلَّ قاتلٍ
ويا كل مهدورَ الكرامةِ خانعِ
أَبيْنا ويأبى الله قُبحَ فِعالكم
وترفضُ ما تأتونَ كلُّ الشرائعِ
سَفكتمْ دِمَانا واستَبحتُمْ صغارنا
نثرتمْ زهوراً كالبدورِ السواطعِ
نعمْ !! هذه الاشلاءُ تتطلبُ
ثأرهَا
تناشدكمْ يا كلَّ (زيدي) (وشافعي)
وللشاعرة مع كل حدث وقفة، نقرأ في قصيدة (شاهق الوفاء) التي كتبتها في الفارس البطل الذي حمل زميله الجريح بين زخات رصاص الأعداء، نقرأ هذه الأبيات :
القوي الوفي ليس وحيدا
كان فردا وبالولاءِ تعدّدْ
والفتى الحيدريَّ ليس نبياَ
هو بالله بالنبي مُؤيّدْ
ارْجعِ الطرفَ مرةَ َتلو أخرى
مَتِّعِ العين ،من سناه تزوّد
فعلى شاهقِ الوفاء تدلّى
شاهقُ الحبِّ ساجداَ َيتهجدَْ
ذاك قلبُ ُوذاك نبضُ ُجريحُ
إنّهُ الحبُّ بالولاء تعمَّدْ
يا ولياَ َوصادقا في التولي
يا سخيا سخاؤهُ جاوزَ الحدَّ
قد رأينا من النشامى صنوفا
ورأيناك في الشهامة مُفردْ.
وأختم هذه الوقفة مع شاعرتنا بهذه الأبيات:
نحنُ إمَّا وأنْ نعيشَ كراماً
أو إلى روضةِ الكرامِ نـُــزَفُّ
لن يَذلَّ الأُباةَ طولُ حصارٍ
لا ولن يكسرَ الإرادةَ قَصفُ
سوف نعلو وسوف نعلو ونعلو
ما لأهدافنا العظيمةِ ســـقـفُ