عندما وجه قائد المسيرة رضوان الله عليه بعض رفاقه بإيصال الصرخة إلى صنعاء من خلال إطلاقها في المسجد الكبير بعد خطبة الجمعة كانت تلك المهمة أصعب من المعارك التي يخوضونها، فقد كان الجهل مخيماً على عقول الكثير من عامة الشعب.
ولا أقصد بالجهل هنا العلم أو الثقافة وإنما المعرفة، حيث جهلوا المعنى والمقصد والمفهوم الحقيقي للصرخة، فكانوا ينهالون بالضرب المبرح على كل من يطلق الصرخة، لاعتقادهم أن الصرخة شعار لدين وعقيدة تختلف جذريا عن ديننا وعقيدتنا، وهذا بسبب التعتيم الإعلامي والتدليس والكذب والفبركة التي كان يمارسها النظام السابق استجابة لتوجيهات وأوامر أمريكا والكيان الصهيوني لنقل صورة خاطئة عن المسيرة القرآنية وتشويهها كما فعلوا مع إيران بعد اندلاع ثورة الخميني عام 79 وكما يفعلون مع أي دولة أو جماعة أو تيار يرفض الخنوع والخضوع للتحالف الغربي الأمريكي الصهيوني.
في بادئ الأمر كانوا اثنين، كل فرد منهما يطلق الصرخة من أحد أطراف المسجد، ثم أصبحوا ثلاثة إلى أن وصلوا إلى ثمانية مجاهدين، وكان هذا هو أكبر عدد لمن أطلقوا الصرخة داخل الجامع الكبير في صنعاء بعد خطبة الجمعة في آن واحد، وكانت كل دفعة تشارك مرة واحدة فقط، لأنهم بعد أن يصرخوا يتم اعتقالهم فورا وسجنهم في الأمن السياسي الذي كان أفراده يحضرون بلباس مدني كل جمعة بأعداد كبيرة وينتشرون بين أوساط المصلين تأهبا واستعدادا لضرب واعتقال كل من يطلق الصرخة.
من ينظر إلى تلك الأحوال وما نحن عليه اليوم يدرك تأييد الله عز وجل لعباده المستضعفين ما داموا يصدعون بالحق، فاليوم بتنا نسمع الصرخة تدوي في أكثر من بلد عربي، وقريبا سنسمع كل أحرار العالم يطلقونها عن قناعة كاملة بعد أن يدركوا أنها سلاح في وجه كل مستكبر وظالم، فالصرخة لا تعبر عن تحيز مذهبي أو طائفي أو حتى ديني، والموت الذي يدعو به الأنصار لأمريكا هو بمثابة التعبير عن رفضهم للسياسة الأمريكية وليست دعوة لقتل الشعب الأمريكي كما يصورها البعض، وبالتأكيد هناك الكثير والكثير جدا ممن يرفضون السياسة الأمريكية بسبب ما تمارسه من سلوك الهيمنة والاستحواذ والاستكبار.
ولو كفوا أذاهم عنا وعن كل أحرار الأرض وظهر زعيم جديد للطواغيت (بريطانيا مثلا) لتغير الشعار، فأمريكا حتى هذه اللحظة ما زالت تجسد رأس الشر العالمي، وهذا ما جعل الأنصار يدرجونها ضمن صرختهم وذلك كما سبق توضيحه تعبيرا عن سخطهم ورفضهم للسياسة الأمريكية.
حتى في مسألة اليهود لا بد هنا أن ندرك أن الفئة المقصودة هم الصهاينة الذين جمعتهم بريطانيا لاحتلال أولى القبلتين فيلعنهم الأنصار في صرختهم ويدعون عليهم بالموت باعتبارهم محتلين لبيت المقدس ومهجرين لأبناء فلسطين ومعادين للإسلام والعرب والعروبة، وليس باعتبارهم مختلفين عنهم في ديانتهم، بدليل أن اليهود الذين يعيشون في اليمن لم يمسهم أي سوء ولو كانوا ضمن المقصودين لتعرضوا للتعسف والقتل والتنكيل بينما يمنيتهم كانت أقوى من كل الفوارق والاختلافات، فالوطن يجمعنا ولا عداء عند الأنصار للآخر مهما كانت اختلافاتهم وخلافاتهم معهم.
والمبدأ المنشود لديهم هو الحرية والاستقلال، ولا عدو بنظرهم إلا من يقف عائقا أمام تحقيق هذا المبدأ ويسعى لاستعباد اليمنيين، وظلمهم والبطش بهم ونهب ثروات اليمن وتقسيمه وتفتيته، ولهذا لم يعد الأمر يقتصر على فئة محدودة، فهذه الأهداف النبيلة مغروسة في قلب ووجدان كل إنسان حر.
* نقلا عن : لا ميديا