في وطني اليمن، وطن الإيمان والصمود والتحدي, يحاول المواطن المستضعف الذي مثلي، أن يسعى كما يسعى الإنسان الواعي دوما من أجل إشباع احتياجاته الفكرية، إلى النظر في عيون المستقبل، في محاولة منه للتخلص من عبء الحاضر الذي يثقل كاهله ولا يحل له مشكلاته المتجددة، وأثناء سعيه ذلك يتصدى للواقع ويواجه معضلاته، بما فيها أولئك الذين يقاتلون من أجل إبقاء الأوضاع سيئة كما هي، إما خوف أن تتعرض مصالحهم للخطر، وإما جهلا بما قد يحمله التغيير عليهم من منافع، وكلما تزايدت أعداد المؤمنين المتحركين عمليا بوعى إيماني بالأفكار التقدمية والنظريات السياسية الداعمة والمساندة والمؤيدة لتحديث وعي وقيم ومشروع معركة التحرر والاستقلال، خفتت أصوات مشاريع الخونة والعملاء والمرتزقة، بينما كلما ارتفعت أصوات تجزئة المعركة ضاعت أصوات الوعي والعقل والمنطق.
لقد تعلمنا نحن اليمنيين من دروس التاريخ المريرة أن الثورات عادة ما تنتكس بفعل عوامل داخلية أو خارجية، بل ربما تنتكس من داخلها لأسباب موضوعية، لكنها برغم مرور الأعوام على نكستها سرعان ما تستعيد زخمها وقوة اندفاعها بعد أن تصحح مساراتها وتمتلك أدوات قوتها وتحقق انتصارها الأخير. وتعلمنا أيضاً أن المهزوم في المعركة الأخيرة لا تقوم له بعد ذلك قائمة، ويتم سحقه سياسيا واقتصاديا، بل وثقافيا وفكريا أيضا، حتى يكاد لا يسمع عنه ولا عن شعاراته ولا عن مشروعه ولا عن قياداته إلا أسوأ وأقبح سمع، وها نحن بصدد معركة بهذا الوزن، أو تكاد تنشب بين لحظة وأخرى، يقودها العدو الصهيوني والأمريكي، ووقودها أطهر وأنبل وأشرف وأعز قيادة ورجال وشعار ومشروع عرفته اليمن والأمة الإسلامية والبشرية كلها في هذا العصر.
هذه المعركة تعيش أجواءها الآن اليمن خاصة، ومنطقة دول محور المقاومة بشكل عام. كافة القوى المناهضة للحرية والاستقلال وللتقدم تتحالف بقيادة الولايات المتحدة، القائد الحقيقي للثورة المضادة في العالم، والمغذي الأكبر للحركات المعادية لتحديث الأحرار المعاصر للاستقلال، من أجل المحافظة على أمن الكيان الصهيوني، والمحافظة على كيانات المصالح النفطية في دول ومشيخات وممالك الرمال، وحماية الطابور الخامس المتقدم إلى الأمام في معركتين متوازيتين في وقت واحد، لا تقل الواحدة منهما خطراً عن الأخرى، الأولى تبدأ وبدأت في ميادين الإعلام والسياسة وتنتهي في الأغلب الأعم كما يقص علينا التاريخ في ميادين التناحر والاقتتال والصراع الداخلي، والأخرى تبدأ في ميادين الربح والخسارة والتجارة والمصالح الشخصية الضيقة ولا تبارح مواقعها أبدا، الانتصار والهزيمة، أو التأخر والتقدم خطوات في واحدة منهما يؤثر تأثيرا مباشرا على الأخرى ويدعم وجودها دعما قويا.
إن قيادة ورجال ومشروع وشعار المسيرة القرآنية ضحوا بكل ما لديهم حتى أرواحهم وحياتهم وقدموا رؤوسهم محاولين أن يخرجوا الشعب اليمني كله، بلا استثناء، بل والأمة كلها، من أسر الماضي بكل ما يحمله من أوزار وأعباء تعيق التقدم إلى الأمام، إلى مستقبل رحب يتنفس فيه الناس أنسام الحرية ويتذوقون طعم الحقوق التي طالما حُرمت منها، في الوقت نفسه الذي يتمترس فيه شلل المطامع والمصالح الشخصية على مقاعد الحكم ويعملون على إحكام سيطرتهم على مؤسسات الدولة لتحقيق أهدافهم الخاصة والضيقة الأفق والتي يمكن أن تكون وبالا عليهم قبل أي أحد آخر، وكأننا اليوم نقص أسطورة الصراع الدائم بين قوى الخير وقوى الشر، أو ملحمة النور والظلام، وكأن عبرة التاريخ وحكمته لم تصل بعد لهؤلاء الذين يحاولون شد الزمن للوراء أو إيقاف خطواته إلى المستقبل، لهذا على قوى الثورة أن تعيد النظر مرات ومرات فيما دفعته وما قد تضطر إلى دفعه من دماء وشهداء في سبيل تحقيق أهداف مشروع وشعار ثورة مسيرتها التي سرقتها مرة جماعة الإخوان ومرة جماعة التحالفات الديمقراطية ومرة ثالثة جماعة شلل المصالح والأطماع الشخصية..
* نقلا عن : لا ميديا