أعلن مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، الخميس الماضي، عن
انتهاء المهام القتالية لقوات التحالف وانسحابها من العراق، اثر انتهاء جولة الحوار الأخيرة مع التحالف والتي كانت قد بدأت في العام الماضي خلال زيارة رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي الى واشنطن في الـ25 من تموز/ يوليو الماضي، وانخراط العراق والولايات المتحدة في نقاش ضمن مجموعة عمل خاصة بالعراق حول تنظيم أسس العلاقة بين البلدين بعد الانسحاب الأميركيّ، وتابع المستشار العراقي: "لتبقَ العلاقة مع التحالف الدولي مستمرة في مجال التدريب والاستشارة والتمكين".
وفيما بقيت هذه العناوين الثلاثة الأخيرة (التدريب والاستشارة والتمكين) غامضة وغير واضحة بشكل تفصيلي، وتحمل هامشًا واسعًا (أو ضيّقًا) من الاجراءات، جاء تأكيد رئيس خلية الإعلام الأمني العراقي اللواء سعد معن خلال مؤتمر صحافي حضرته وكالة الانباء العراقية (واع)، حول حصول اجتماع في مقر الخلية، بحضور "معاون رئيس أركان الجيش وقادة الأسلحة البرية والجوية والدفاع الجوي ومدير الاستخبارات العسكرية وممثل وزارة البيشمركة، ليبدد هذا الغموض الذي يلفّ هذه العناوين، من خلال حضور المسؤولين العسكريين المذكورين ومن خلال ما عرض في الاجتماع حول القائمة الأولى بحسب الأولويات، للتعاون المؤسساتي التي تخطط لها القوات الأمنية العراقية والتحالف وبعثة شمالي الأطلسي، بهدف التركيز على الدور المشترك خلال 24 شهراً المقبلة.
في الواقع، يبدو أن نشاط الوحدات الأميركية بعد
"الانسحاب" المزعوم، سوف يبقى على مستوى مرتفع، قد لا يختلف عما كان عليه خلال الفترة الماضية حتى اليوم، وربما يزداد أكثر، فوجود هؤلاء القادة والمسؤولين العسكريين والذين يشملون، كما هو ظاهر، أغلب الوحدات الاساسية الفاعلة في الجيش العراقي، يعطي فكرة عن مستوى العلاقة العسكرية بين الاميركيين المستشارين والمدربين والمعنيين بتمكين الجيش العراقي والاجهزة الامنية والاستخبارية. وهذا النشاط (للوحدات الاميركية في العراق) يمكن تحديده في النقاط التالية:
لناحية التدريب، من غير المنطقي أو الطبيعي أن يبقى أي مدرب لوحدة عسكرية ما، بعيدًا عن كافة المعطيات العسكرية أو غير العسكرية الخاصة بهذه الوحدة بشكل عام وبعناصرها بشكل فردي، وهذه المعطيات العسكرية تتناول حتمًا تجهيزات هذه الوحدة وأسلحتها وقدراتها وعقيدتها القتالية، أما المعطيات غير العسكرية - وهي الأهم هنا - فتتعلق عادة بمعلومات شخصية عن أفراد هذه الوحدة وأماكن سكنها ووضعها الاجتماعي والمادي وما الى ذلك من معطيات شخصية، يعمل دائمًا الأميركيون على إدراجها في لوائح بيانات المعلومات الفردية للعناصر المتدربة. فهل تناول التنسيق مع المسؤولين العسكريين العراقيين شطب هذه الاجراءات التي يعتمدها عادة الأميركيون في التدريب، فيكونون بذلك قد حجبوا عن المخابرات الأميريكة مروحة مهمة من المعلومات التي تدخل ضمن خانة سري أو سري للغاية، أم أن التنسيق أغفل هذه الناحية، فتُركت هذه المعلومات العسكرية بين أيدي المدربين الأميركيين؟
لناحية الاستشارات، تكمن الخطورة هنا، والتي تتجاوز خطورة التدريب رغم حساسية الأخيرة، بأن الاستشارات العسكرية عادة تحمل ومن خلال أسلوب خبيث، يُتقنه جيدًا الأميركيون، وبسبب خبرات ضخمة لهم في هذا المجال عبر أغلب دول العالم، امكانية كبيرة لتوجيه مهمات وأدوار الجيوش، حيث يتدخلون وتحت عنوان "استشارة عسكرية" في تحديد ما هو الأنسب لتنفيذ المهمات العسكرية والأمنية وما هي الأفضليات للتنفيذ وما يجب حذفه أو تثبيته من هذه المهمات، تحت غطاء "درجة الخطورة" أو "المهمة الممكنة " أو"الصعبة" أو "المستحيلة" وما شابه من عبارات ونماذج، تُعتمد عادة في المهمات الأمنية والعسكرية.
والأهم أيضًا والأخطر في موضوع الاستشارات التي تُقدم للجيوش عادة، يكمن في تركيز المستشارين على المناورات العسكرية التي تنفذها هذه الجيوش، لما تحمله الأخيرة عادة من معلومات عن التجهيزات وعن الصديق أو العدو وعن الدعم أو عن السكان أو البيئة القريبة لبقعة العمليات موضوع المناورة، اذا كانوا موالين أو غير موالين. وكل هذه المعطيات، تشكل قاعدة معلومات ضخمة، اذا بقيت لدى الأميركيين أو اذا تسربت للاسرائيليين، تشكل نقاط ضعف استعلامية قاتلة للجيش العراقي، خاصة أن تاريخ الوحدات الأميركية التي احتلت العراق، لا يشجع بتاتًا لناحية فقدان الثقة بها بشكل كبير، بسبب انخراطها في مؤامرات دعم وخلق وتوجيه ورعاية الإرهاب وتسعير الفتنة الداخلية.
واخيرًا، يبقى عنوان "التمكين"، بما معناه المساهمة الأميركية العسكرية في تمكين الجيش العراقي أو جعله جيشًا متمكِّنًا، وهذا الأمر أيضًا، وراءه الكثير من الخطورة، لما يحمل من عناوين واسعة، فيها بالاضافة الى الدخول الى المعلومات العسكرية التي يجب أن تكون تحت طابع سري أو سري للغاية، وبالاضافة للمعلومات التي سوف تكشف بشكل كامل نقاط ضعف أو نقاط قوة الوحدات العسكرية والأمنية العراقية، هناك التجهيز، بما يعنيه ذلك من باب مفروض رسميًا على السلطات العراقية، تضمنته الاتفاقية مع الأميركيين تحت عنوان الموافقة الضمنية لهذه السلطات العراقية على بند التمكين، يقضي بوجوب تسليح الجيش العراقي وأجهزته الأمنية بأسلحة وتجهيزات أميركية أو من مصادر أخرى يحددها الأميركيون، وربما تكون شركات اسرائيلية مثلًا.
* المصدر : موقع العهد الإخباري