|
الإمارات دولة محورية أو كرتونية؟
بقلم/ شارل أبي نادر
نشر منذ: سنتين و 10 أشهر و يوم واحد الخميس 20 يناير-كانون الثاني 2022 06:32 م
كان منتظرًا أن يعمد الجيش واللجان الشعبية اليمنية ووحدات «أنصار الله» الى تنفيذ عملية نوعية في عمق الإمارات العربية المتحدة؛ فمسار تطور مناورة هذه الوحدات أصبح واضحًا وثابتًا ومعروفًا، ومقابل كل إنذار أو تهديد بالرد ضد العدوان أو ضد الحصار والتدمير والجرائم داخل اليمن، كانوا ينفذون مناورة ردع استراتيجية مشابهة لما نفذوه الأثنين الماضي في الإمارات، ومسلسل عمليات توازن الردع المتعدد الحلقات داخل السعودية خير دليل على ذلك، ولكن الغريب في الموضوع أن قادة الإمارات ومسؤوليها، والذين يعتبرون أنفسهم حكماء ولديهم مستوى معروف من العلاقات الدولية، كانوا بعيدين عن توقع حصول هذه العملية.
في الواقع، هناك عدة اتجاهات أو أسباب لعدم توقّع قادة الإمارات للعملية الأخيرة التي نفذها اليمنيون في ابو ظبي ودبي بسرب من الطائرات المسيّرة البعيدة المدى وبخمسة صواريخ موزعة بين الباليستية والمجنحة، وهذه الأسباب تتوزع بين الجهل وعدم القدرة على تحليل مسار الأمور في المنطقة وخاصة المرتبطة بعدوانهم مع السعودية على اليمن، وبالتالي برهنوا عن رؤية محدودة تتجاوز قدرتهم على ربط الأمور ببعضها بعضًا، وبين تعرضهم لعملية استغلال أو ضغط من قبل السعودية، فانجرّوا الى معاودة انخراطهم في العدوان على اليمن بعد أن كانوا قد رفعوا أيديهم (على الأقل ظاهريًا) عن ذلك العدوان، أو بسبب تبلغهم من جهات خارجية أمريكية وإسرائيلية بالتحديد، بأنهم تحت الحماية وسوف يدافعون عنهم، أو أنهم تعرضوا لخديعة مشتركة من قبل كل هؤلاء، ولأسباب كثيرة.
بمطلق الأحوال، ومهما كان سبب عدم توقعهم للعملية اليمنية داخل العمق الإماراتي، وبالتالي العمل على تلافيها وكان هذا ممكنا، فإن الأخيرة، وبمعزل عن كونها لا تختلف في الشكل أو في المضمون وأسلوب التنفيذ واختيار الأهداف، عن عشرات العمليات التي نفذتها حتى الآن وحدات الجيش اليمني واللجان الشعبية تحمل أبعادًا مختلفة، وربما تشكل تحولًا مفصليًا في الحرب على اليمن، انطلاقًا مما فرضته من أبعاد عسكرية واستراتيجية، يمكن تلخيصها في التالي:
لناحية الأبعاد العسكرية
برهنت القوة الصاروخية وسلاح الجو المسيَّر للوحدات اليمنية أنها تتمتع بجهوزية كاملة وبمستوى كبير من القدرة والفعالية، بحيث استطاعت إرسال حزمة واسعة من الصواريخ الباليستية والمجنحة، متواكبة مع سرب واسع (غير معروف العدد بالتحديد) من الطائرات المسيَّرة الانتحارية، على مسافة تتجاوز بأقل تعديل 1200 كلم، وذلك يتحدد بالنسبة لنقطة اطلاق هذه الحزمة من القدرات النوعية، مع رجحان أن تكون من أقرب مسافة شرقًا من داخل اليمن، أي من محيط مارب أو الجوف أو معسكر الخنجر شمال مارب.
أيضًا، برهنت إدارة عملية الإطلاق أن طائراتها المسيَّرة وصواريخها الباليستية أو المجنحة، تملك القدرة على تجاوز أكثر منظومات الدفاع الجوي تطورًا، حيث كان مسار طيران هذه القدرات بشكل كامل تقريبًا فوق أراضي السعودية والإمارات، والتي من المفترض أنها مجهزة بنظام متماسك وفعال من أسلحة وصواريخ الدفاع الجوي، مع وجود عدد كبير من القواعد العسكرية الإماراتية والتي قد تكون حاضنة لبعض حظائر الدفاع الجوي الإسرائيلية، بالإضافة لعدد غير محدد من القواعد الأمريكية والبريطانية، الأمر الذي يفتح باب التكهنات واسعًا عن جدوى وفعالية هذه المنظومات الصاروخية الدفاعية في حماية الإمارات أو غيرها.
من جهة أخرى، نجحت قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية في اختيار أهداف حساسة، تحمل قيمة استراتيجية واقتصادية من دون أن تتسبب بمقتل مدنيين، باستثناء عدد بسيط جدًا، حيث الكثافة السكانية في الإمارات مرتفعة جدًا وتتوزع المساكن والمنشآت التجارية ومؤسسات الأعمال بين الأهداف الاستراتيجية الحساسة، الأمر الذي يعطي فكرة عن مستوى غير بسيط لدى القوة الجوية والصاروخية اليمينة في تحديد وتكوين بنك أهداف عسكري استراتيجي بامتياز.
النقطة الأهم من الناحية العسكرية، والتي يمكن استنتاجها انطلاقًا من نجاح العملية، أن العمق الإماراتي هشّ وغير محصَّن بمواجهة هكذا نوع من العمليات النوعية، فهو جغرافيًا متواضع مقارنة مع جغرافيا وعمق السعودية، والتي عانت الأمرّين أمام هكذا نوع من العمليات، وفشلت في مواجهة أغلبها، فكيف إذا كنا نتحدث عن الإمارات بعمقها الضعيف جغرافيًا، وبعجزها عن تنفيذ مناورة نشر وتجهيز منظومة متماسكة وقوية من بطاريات الدفاع الجوي، حيث تداخُل هذه المنظومات العسكرية مع المناطق التجارية والسكنية والسياحية مفروضٌ وشبه إجباري ولا يمكن معالجته.
بين مارب وعملية تأديب الإمارات
لناحية الرابط بين العملية وبين المواجهات الميدانية داخل اليمن، وخاصة الأخيرة منها في شبوة وجنوب مارب، فهذه العملية، بفعاليتها وبتوقيتها وبشكلها، تعتبر بمثابة إنذار وتهديد جدي للإمارات، لكي تعيد النظر في دورها الميداني واللوجستي والعسكري في معركة شبوة عبر دعمها الواسع لقوات ما تسمى العمالقة، والتي عملت على نقلها بطائراتها وبآلياتها من الساحل الغربي إلى أبين وشبوة، وفي حال استيعابها لجدية التهديد، سوف يدفعها الإنذار للابتعاد عن الانخراط المباشر في المعركة وبالتالي سوف تتأثر سلبًا قدرات المرتزقة في معركتي شبوة ومارب.
انطلاقًا من هذه المعطيات العسكرية، أثبت اليمنيون – من خلال هذه العملية – أنهم قادرون على نقل المعركة بكامل تداعياتها إلى عمق الإمارات وبفعالية وبقدرة تصعب مواجهتها، وهذا الأمر فرضه النجاح في استهداف تلك المواقع الحساسة، دون أن تظهر في الجهة المقابلة أية قدرة على منع استهدافها، انطلاقًا من جميع التجارب السابقة في المواجهات مع الجيش اليمني واللجان الشعبية”، والتي برهنوا فيها عن جديتهم وصدقهم مع تهديداتهم، وانهم متى قالوا فعلوا.
الإمارات مدعوّة اليوم إلى إعادة النظر في استراتيجيتها بالكامل، ليس فقط في مساهمتها المباشرة في الحرب على اليمن، وهذا مهم طبعًا وأساسي، ولكن أيضًا هي مدعوة لإعادة النظر في موقعها وفي كل ما تُكلَّف بِه عبر دورها الاقليمي (المنفوخ)، والذي اعتقدت يومًا (مخدوعة) بأنها جاهزة أو قادرة لأن تلعبه، وبأنه عليها أن تكون واقعية وتعلم بأن من يدفعها لأن تكون بمواجهة أطراف فاعلة ولها تاريخها وموقعها في المنطقة، خدمة لمشاريع أمريكية وإسرائيلية، هو عاجز عن حماية نفسه عمليًا بمواجهة هذه الأطراف القادرة والصامدة، وأنه سوف يرميها ويتخلى عنها في وقت لا تنتظره، تمامًا كما لم تنتظر عملية الأمس النوعية في عمقها الحيوي.
*محلل وخبير عسكري لبناني |
|
|