أفادت وكالة "بلومبرغ" الأميركية مؤخرًا، نقلاً عن مصادر مطلعة، بأنّ الولايات المتحدة "رفعت عدداً من القيود المفروضة على تزويد أوكرانيا بالمعلومات الاستخبارية". وجاءت هذه الخطوة بعد أن بعث عضو في لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي برسالة سرية تطالب إدارة الرئيس جو بايدن برفع هذه القيود، وتابعت المصادر أنّ "مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية أفريل هاينز أبلغ الكونغرس مطلع نيسان/أبريل الحالي باتخاذ مثل هذا القرار، وبأنه من المتوقع أن يساعد توسيع تبادل المعلومات الاستخبارية مع أوكرانيا في الدفاع عن الأراضي، وربما استعادة السيطرة عليها حيث تجري العملية العسكرية الخاصة حاليًا".
في الظاهر، لا يبدو الخبر حاملًا لمعطيات جديدة، فطالما كانت وكالات الاستعلام الأميركية تسرّب أي معلومة تراها حكومتُها مفيدة لمناورتها أو لاستراتيجيتها، دون الاعلان عن ذلك. وقد أثبتت الوقائع الميدانية وبعض تفاصيل المواجهة بين الوحدات الأوكرانية والروسية، وخاصة التي حصلت قرب كييف، قبل اعادة الوحدات الروسية لانتشارها الاخير قرب العاصمة الاوكرانية منذ حوالي الأسبوعين، بأن الأوكران استفادوا بشكل كبير من المعلومات التي حصلوا عليها من ضمن هذه المعطيات الاستعلامية الأميركية، الجوية وغير الجوية، خاصة المتعلقة بالتحديد، بأماكن تمركز وتقدم الوحدات الروسية في ضواحي كييف الشمالية الغربية، بين قاعدة انطونوف الجوية في منطقة غاستوميل وبين بوتشا واربين، أو حتى حول انتشار تلك الوحدات شمال شرق كييف قرب مدينة بوفاري.
ولكن، أن يكون الأمر بشكل رسمي من ضمن المسار الاداري والقانوني الذي يرعى أصول حماية المعلومات السرية الأميركية، والتي تدخل أساسا تحت عنوان "حماية الأمن القومي"، والتي تحتاج الى موافقة الكونغرس للافصاح عنها لأية جهة، داخلية أو خارجية، فإن الموضوع يأخذ طابعًا حساسًا، يتجاوز حتمًا عنوان دعم أوكرانيا، ليصل إلى ما يشبه المواجهة المباشرة بين الروس والأميركيين، فكيف يرى الروس ذلك؟ وكيف يمكن أن تكون ردة فعلهم؟
في الواقع، قد تكون الفكرة التي أشارت إليها مصادر "بلومبرغ": "من المتوقع أن يساعد توسيع تبادل المعلومات الاستخبارية مع أوكرانيا في الدفاع عن الأراضي، وربما استعادة السيطرة عليها حيث تجري العملية العسكرية الخاصة حاليا"، هي التي ستكون أكثر حساسية بالنسبة للروس، لما تحمله فعلًا من جدية ومن واقعية، يمكن أن تؤثر بطريقة فعالة على معركة او مناورة الروس في عمليتهم الخاصة في اوكرانيا، وذلك للأسباب التالية:
من الناحية العسكرية، أهمية وخطورة الموضوع بالنسبة للروس أن هذه المعطيات الاستخبارية الأميركية التي تحصل عليها الوحدات الاوكرانية، تتواكب مع حصولهم أيضًا من الأميركيين على أسلحة فتاكة، مثل صواريخ مضادة للدروع: جافلين، أو للطائرات: ستينغر، بالإضافة الى 72 مدفع هاوتزر من عيار 155 مم، مع 144 ألف (قذيفة) مدفعية لهذه المدافع، يضاف إليها، وهي الأسلحة الأكثر فعالية، طائرات مسيرة نوع "سويتش بليد"، وأخرى من المسيرات القناصة، نوع "فونيكس غوست"، صُمّمت خصيصًا للوحدات الأوكرانية وبمدة زمنية سريعة وغير مسبوقة.
عمليًا، هذه الأسلحة الفتاكة التي تحصل عليها الوحدات الأوكرانية، هي في الظاهر بمستوى قريب من القدرات الروسية المماثلة، والتي تتميز بها أيضًا الأسلحة الروسية عالميًا، ولكن، نقطة التفوق والنقطة الرابحة لهذه الأسلحة الأميركية، تخلقها المعطيات الاستخبارية التي تضاف إلى معطيات تشغيلها واستعمالها في المعركة، وذلك على الشكل التالي:
كل الصواريخ المضادة للدروع الأميركية أو الروسية، والتي تتميز بقدرة رماية بعيدة، تحتاج لعناصر استعلامية واستطلاعية تتضمن أماكن تحرك المدرعات والآليات ومسافاتها عن قواعد اطلاق هذه الصواريخ وسرعة تحركها. والمراقبة العادية المباشرة، قد لا تسمح دائمًا بالحصول على هذه المعطيات، خاصة عند وجود تغطية جوية دقيقة لحماية تحرك هذه المدرعات، تُجبر رماة الصواريخ المضادة على الاختباء، فتأتي المعطيات الاستخبارية الرفيعة المستوى، والتي تصدر عن أقمار صناعية عسكرية، لتقدم كل هذه العناصر المطلوبة لتنفيذ رماية فعالة ضد هذه المدرعات، وبالوقت المناسب للرمي.
أما مدافع الهاوتزر عيار 155، وهي مبدئيًا أسلحة تقليدية تتواجد مع أغلب الجيوش المتوسطة المستوى، فتصبح فعالة جداً عندما يتم ربطها مباشرة مع طائرات مراقبة، مثل "سيسنا" أو غيرها، فتصبح قذائفها التي ترمى على مسافات تصل إلى 30 كلم تقريبًا، وكأنها صواريخ موجهة ودقيقة. وأحد أمثلة هذه الفعالية، نفذها الجيش اللبناني بمدافع مشابهة ضد "داعش" في عملية "فجر الجرود"، حيث أصبحت هذه القذائف تتوجه نحو الهدف مباشرة، وذلك من خلال ملاحقة شعاع الليزر الذي تطلقه طائرة "سيسنا" من الجو نحو الهدف.
أيضًا، كل المسيّرات الفتاكة التي تتميز بقدرة فعالة على اصطياد آليات العدو، تحتاج أيضًا، وخاصة في ظل وجود شبكة فعالة من الدفاع الجوي، إلى معطيات استعلامية دقيقة لتنفيذ مهمتها، وأهمها الوقت المناسب والذي يكون محددًا بدقائق بسيطة كحد أقصى، فتكون هنا المعطيات الاستعلامية الجوية، والتي يمكن تزويدها مباشرة للمسيرات الأميركية الموجودة بتصرف الوحدات الأوكرانية، مثل "سويتش بليد" أو "فونيكس غوست"، مناسبة لتنفيذ رماية آمنة ومضمونة وفعالة بشكل سريع، يتجاوز أحيانا كثيرة، قدرة منظومة التوجيه والرادار للدفاع الجوي الروسي على اكتشافها، قبل اطلاقها لقنابلها ولصورايخها السريعة.
من هنا، وأمام حصول الوحدات الأوكرانية على هذه المعطيات الاستعلامية أو الاستخبارية الخاصة بالميدان، بالاضافة طبعًا إلى أنها سوف تحصل على معطيات أخرى، أبعد من الميدان المباشر، وتواكبها مع حصولها على هذه الأسلحة الفتاكة الفعالة، فإن الأمر بالنسبة لما سوف يراه الروس، سيتجاوز حتمًا موضوع دعم أميركا لأوكرانيا، ليكون أشبه بانخراط أميركي واسع وصريح ومباشر بمواجهتهم في أوكرانيا، فهل يتقبلون الوضع بهذه البساطة؟ وماذا لو اعتبروا الأمر وفق ما قاله مؤخرًا الرئيس بوتين: "سيكون لنا رد قاس على كل من يفكر بالتدخل فيما يجري بأوكرانيا أو يشكل تهديدًا استراتيجيًا لنا"؟ وكيف يمكن ترجمة هذا الرد القاسي؟ وماذا عن تداعياته فيما لو حصل؟
* نقلا عن :موقع العهد الإخباري