كثيرة هي أوجه الشبه بين الحرب الناعمة التي تشن على لبنان واليمن، لأن سياسات المشروع الغربي واحدة ضد الدول العربية والإسلامية، والاختلافات يمكن وصفها بالبسيطة، لأنها مجرد أدوات متحركة بحسب البيئة المستهدفة. نلمس هذا التشابه والتطابق في تحركات العدو لاستهداف بيئتنا الداخلية بالقوة الناعمة، التي أصبحت السلاح الأقوى للمعسكر الغربي المتحكم بكثير من تفاصيل حياتنا اليومية، على الرغم من امتلاك دولنا العربية والإسلامية مكامن قوة ناعمة مؤثرة لكنها لم تحسن استثمارها. وهنا يأتي الدور المجتمعي لكشف القوى الناعمة المعادية، والدور الإعلامي لكشف مخططاتها وأسلحتها المستخدمة وتوغلها في أوساط المجتمع.
نتيجة لانشغالي خلال شهر رمضان المبارك لم أحظَ بفرصة متابعة المسلسلات الرمضانية. وفي إجازة العيد تمكنت من متابعة كامل حلقات مسلسلي "ظل المطر" و"باقة ورد"، الأول من إنتاج مركز بيروت الدولي وإخراج صديقي العزيز شادي زيدان، والثاني من إنتاج الفضائية اليمنية وإخراج الأستاذ مجاهد الآنسي. وفي المسلسلين وجدت تكاملاً وانسجاماً كبيراً من حيث القصة والرؤية الإخراجية والهدف السامي في مواجهة القوة الناعمة.
إلى جانب النقلة النوعية في العمل الدرامي الذي يلامس قضايا المجتمع، هناك تجسيد للواقع ورسائل تحذيرية من القوة الناعمة لـ"الموساد الإسرائيلي" والمخابرات الأمريكية في بيئة المقاومة اللبنانية واليمنية.
في "ظل المطر"، الذي عرض على قناة "المنار"، تركزت القصة حول المواجهة الشرسة بين "الموساد الإسرائيلي" الذي يعمل باستماتة لتجنيد العملاء وتشغيلهم، إما عن طريق التجنيد المباشر وإما الاستقطاب باستغلال حاجتهم للعمل والمال عبر مجموعات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والجماعات الإرهابية التكفيرية وإدارة الأزمات الاقتصادية، وبين أجهزة الأمن التي تعمل أيضاً ليل نهار على كشف وفضح ومواجهة هذه المجموعات واختراقها في أغلب الأوقات.
أما في "باقة ورد"، الذي عرض على قناة اليمن الفضائية، فالمواجهة بين عملاء المشروع الغربي وأدوات العدوان الصهيوأمريكي وشبكاتهم الإعلامية والتجارية التي تنشط في أوساط المجتمع لتحقيق مشاريعها المعادية، وبين جهاز الأمن والمخابرات الذي يبذل جهودا مضنية في تعقبهم وإفشال مشاريعهم.
وفي المسلسلين يرى المشاهد انسجاماً كبيراً بين مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية لتعقب هذه الخلايا والمجموعات المتوغلة في أوساط المجتمع، وتستخدم وسائل متعددة للتخفي واستخدام وجوه جديدة وأسماء لا غبار عليها، وما جسدته الدراما في العملين نعايشه بشكل يومي ونلمس آثاره في الأزمات الاقتصادية التي أرهقت كاهل المجتمعات العربية والإسلامية، بالإضافة إلى الفوضى واستغلال الناس واستثمار مطالبهم المحقة وركوب موجات الحقوق لتحقيق أهداف "الموساد الإسرائيلي" والاستخبارات الغربية.
وحتى تكتمل الصورة لدى المتابع لـ"ظل المطر" و"باقة ورد" لا بد من التعرف على "الوحدة 8200"، وهي إحدى أبرز الأذرع "الإسرائيلية"، ونشاطها واسع في مجال الحروب الإلكترونية، وتضم آلاف المجندين، وبحسب موقع (Defense News) "الإسرائيلي"، فإن الجنرال المتقاعد اوري ساغي، الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية، اعترف بوجود هذه الوحدة واعتبرها من أهم الوحدات الاستخبارية في الجيش.
يعود تأسيس "الوحدة 8200" إلى أكثر من ثلاثة عقود، حيث أسسها جهاز "أمان" الاستخباراتي "الإسرائيلي"، بغرض تقديم رؤية استخبارية متكاملة مع المعلومات التي توفرها المصادر البشرية القائمة تجاه الأهداف العربية حول العالم. وتعتمد على عدة طرق في العمل، وهي: الرصد، التنصت، التصوير، التشويش، التفكيك، الاعتراض، التحليل، الترجمة، وإشعال الأزمات في المجتمعات العربية والإسلامية.
وتنشط هذه الوحدة عبر موقعي "فيسبوك" و"تويتر" بشكل كبير عبر أسماء وهمية لشباب وفتيات باللغة العربية يصل عددهم إلى الآلاف. ولا يقتصر دورهم على البيئة العربية فقط، بل تمتد ذراع أنشطتها إلى أقصى حد ممكن أن يخدم مصلحتها، كما تعمل على ابتزاز الشباب العربي من خلال المعلومات الشخصية والخاصة التي تقوم بجمعها عنهم، لإجبارهم على التعاون معها، وهذا ما تم كشفه في مسلسل "باقة ورد"، الذي فضح العاملين مع هذه الوحدة عبر غرف عمليات محلية تتخذ من العاصمة صنعاء مركزاً لها وتستقطب الشباب عبر المعاهد التي أنشأتها خصيصاً لهذه الأغراض قبل أن تستدرجهم إلى بيوت مشبوهة وتقوم بتصويرهم وابتزازهم للعمل وإغواء وتجنيد ضحايا جدد، جميعهم يعملون تحت هدف واحد لتدمير المجتمع من الداخل. وفي "ظل المطر" جسدت القصة نشاط هذه الوحدة من خلال استخدام أسماء صفحات تدعي انتماءها لمجتمع المقاومة وتبث سمومها وسط الكلام المعسول عبر أسماء مستعارة تضخم الأحداث وتزور الوقائع باستخدامها لقصص وتفاصيل داخلية يتم تجييرها لخدمة المشروع الصهيوني.
هذا النوع من المسلسلات بحاجة إلى مزيد من الرعاية والدعم لتوعية المجتمع بمخاطر القوة الناعمة، وتعريف المشاهد بالأساليب المستخدمة للاستقطاب والتجنيد لتقوية الجبهة المجتمعية وتحصينها ضد هذا السلاح الفتاك الذي يقتل دون أن يحس أو يشعر الضحية، بالإضافة إلى ضرورة تكامل الدور الإعلامي والمجتمعي في تشجيع الضحايا على الإبلاغ والانسحاب وعدم الاستمرار في الغلط خوفاً من الفضيحة أو المواجهة.
* نقلا عن : لا ميديا