ما يحدث اليوم في تعز يذكرنا بأيام الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفييتي، مع اختلاف طبيعة الصراع والأطراف المتباينة؛ فالفريق الوطني المفاوض يحاول جاهدا فتح الطرق من وإلى تعز لتسهيل تنقل المواطنين والسلع، بينما طرف مرتزقة العدوان يحاولون جاهدين أن يبقوا المدينة تحت قبضتهم، ولو كان هذا يعني أن تتحول إلى سجن كبير!
دول العدوان ومرتزقتها لا يهمهم معاناة الناس في مدينة تعز، التي حولوها إلى كانتونات متحاربة على النفوذ والمال، ولا يهمهم الوصول إلى أي أتفاق قد يساعد على عودة بعض الطمأنينة للمدينة المنكوبة منذ أن حطت أقدام فصائل العدوان فيها. يومها أطلقوا الوعود، وأثاروا النعرات، ورأينا جرائم غريبة تحدث لأول مرة في اليمن!
تم تهجير الناس وقتلهم وسحلهم، وانتشرت الاغتيالات وعمليات الاختطاف ودب الخوف والرعب في المدينة، وقد حاول العقلاء جاهدين تحذير أهالي المدينة مما سيجري، وتجنيب تعز الهول المدمر الذي يحدق بها؛ ولكن المرتزقة أبوا إلا أن يكووا المدينة بسياط حقدهم. وكلنا نتذكر تصريحات حمود المخلافي قبل فراره إلى تركيا بأن أوامر “التحالف” منعت أي اتفاق قد يجنب تعز هذه المعاناة!
المرتزقة يعتبرون تعز مشروعاً استثمارياً، وهم يعرفون أن بقاءها كما هي سيضمن لهم المزيد من الحوالات المالية التي تأتي تارة من الرياض، وتارة من أبوظبي والدوحة! والأهالي ينظرون بعين الشك لكل هؤلاء الذين يأتون ويثرون ثم يفرون، ثم يأتي غيرهم! وبينما تعز تحولت إلى مستنقع للأطراف المتقاتلة فيما بينها، تنعم المدن والقرى المتحررة من حولها بالاستقرار! لقد غرروا بتعز بأكاذيب أنها ستنعم بالثراء الخليجي، وستحظى بالمشاريع والتنمية؛ ولكن للأسف ما يزال المواطن الذي أجبروه أن يخرج ليقول “شكرا لسلمان” يعاني من الكوارث دون أن يعرف لماذا!
بالنسبة للشعب اليمني فنحن لم ولن نتخلى عن أهلنا في تعز، فنحن نعلم أنهم ظُلموا لعقود خلت على أيدي حكومة العملاء، وأن ما يجري من محاولات لبث الفرقة وإثارة النعرات يستهدفنا جميعاً، لمعرفة العدو أن اليمنيين إذا ما اجتمعوا فسيكون ذلك قوة لهم ضد مشاريع الاحتلال، وتعز تمثل نقطة قوة لليمن بأكمله.
حكومة “الإنقاذ” استطاعت أن تستوعب النازحين الذين يعيشون مع بقية أبناء المحافظات الأخرى في وئام، وما تزال تحاول ربط أبناء مدينة تعز بباقي المناطق المحيطة بها، وآخر هذه المحاولات ما شاهدناه من تحركات الوفد الوطني لفتح عدة طرق من وإلى مدينة تعز، ورغم رفض دول العدوان حتى لو اضطررنا لتنفيذها من طرف واحد. دول العدوان قلقة من عودة ارتباط تعز بمحيطها الحر والمستقل، لذلك سيبذلون جهدهم أن تبقى تعز معزولة عن باقي المدن والقرى حتى تلك التي تقع ضمن نطاق محافظة تعز!
تحرير مدينة تعز ليس مستحيلاً إذا نظرنا لعدة أسباب، منها: أن المواطن اليمني قد مل الوعود الكاذبة، ولأن أبناء المدينة يفرون من أتون الحروب والمعارك التي تجري هناك كل يوم، ولأن الطرف السعودي انكشف بأنه عدو اليوم والمستقبل للشعب اليمني كما كان في الماضي تماماً، ولأن قيادات الخونج قد فقدت ماء وجهها بعد أن باعت نفسها لمشاريع هدامة مقابل المال وشارفت على الأفول... وهناك مئات الأسباب التي تؤكد أن مدينة تعز ستظل مهوى قلوب كل اليمنيين الذين يتشاركون الماضي والمستقبل مع أبناء مدينة تعز، لكل هذا ستعود تعز، شاء من شاء، وأبى من أبى.
* نقلا عن : لا ميديا