هل بوسع الدب القطبي أن يستنقذ الناقة من مستنقع إخفاقاتها في اليمن؟
التكفير عن الحقبة الحمراء بالذهب الأسود
يشغل هاجس تنصيب نجله بال الملك سلمان رغم عجزه الجسدي وعته الشيخوخة. قيد خطوات من قبره تحامل سلمان على جسده الضرير، وطار من منتجعه في المغرب إلى العاصمة الروسية موسكو، في أول زيارة لملك سعودي منذ نشأة العربية السعودية في 1933.
ذهب المحللون إلى أن الملف السوري هو في مركز الأجندة المحتملة كموضوع للتباحث السعودي الروسي، إلا أن سياق المتغيرات الأخيرة في المنطقة، لا سيما متغيرات الاشتباك في اليمن، تؤكد عكس ما ذهب إليه المحللون.
الشغل الشاغل لسلمان على حافة رحيله عن الدنيا هو تأمين مرور آمن لنجله محمد إلى العرش خلفاً له، وليس الملف السوري ضمن العوائق التي تقف في طريق هذا المسعى، وإنما الملف اليمني، فيما تبدو العوائق الأخرى ثانوية وهامشية قياساً بأولويات الملف الأخير وإلحاحه.
الاشتباك في اليمن يوشك أن يكمل عامه الثالث، والغرق السعودي مستمر في مستنقع الإخفاقات الميدانية، ومع ذلك فإن أية مقاربة دولية للحل لم تتخلق بعد، فحتى إيران التي يتذرع التحالف السعودي الأمريكي بنفوذها في اليمن لشن عدوانه، لا تمتلك رؤية لمقاربة الملف اليمني، ومثلها الصين وروسيا، الأمر الذي يجعل من مواقف معظم القوى الفاعلة إقليمياً ودولياً متشابهة حيال الملف اليمني، مع تباين طفيف.
يحتاج الملك سلمان لأن يستدرج المتغيرات الميدانية السلبية على المملكة من قبضة المقاتل اليمني إلى طاولة ضغوط دولية تتيح له وقف الانهيارات المتسارعة في جنوب مملكته، والضربات الصاروخية اليمنية المهددة لنطاق حيوي اقتصادي شاسع في العربية السعودية، مع تلافي الانحناء لتسول هذا الوقف من القيادة الثورية ممثلة في حركة أنصار الله.
واشنطن لا تبدو متفهمة لورطة السعودية في اليمن، لذا فإن الرياض تحاول في هذا الصدد البحث عن مقاربة روسية منحازة لحاجتها إلى استنقاذ نفسها من مستنقع الإخفاقات في اليمن، وهي حاجة يترتب على تحقيقها أمر عبور نجل الملك الشاب إلى عرش أبيه، ولجم التناقضات الداخلية المستمرئة لورطته في اليمن.
ماذا بوسع روسيا أن تقدم للملك ونجله على هذا المستوى؟
لا شيء سوى صفقات وهم عسكرية تستنزف حليب البقرة العجفاء؛ فاليمن كما هي مخذولة من جميع الأطراف، هي كذلك ليست رهينة في يد أي طرف إقليمي أو دولي حتى يقايض بها على مذبح شهوة الملك ونجله لتلافي الغرق بتسوية زهيدة، كما أن توازن الردع من جانب الجيش اليمني ولجانه الشعبية يتمثل بالأساس في صلابة المقاتل وإرادة القتال لديه، لا في تفوق عتاده الحربي، وهكذا فإن منظومة (إس400) التي يبدو أن روسيا ستبيعها للرياض لن تغير في توازن الردع القائم على مسرح الاشتباك.
الصحفي المقرب من العائلة المالكة السعودية عبد الرحمن راشد، ووزير خارجيتها عادل الجبير، يؤكدان (عدم جدوى الحل العسكري في اليمن)، رغم استمرار مجازر التحالف السعودي الأمريكي بحق اليمنيين، والمقاربة الروسية المحتملة التي قد ترضي شبق ملك الزهايمر ستصطدم بحائط عدم الثقة اليمنية بروسيا المنحازة سياسةً وإعلاماً لجانب التحالف، عوضاً عن أن مقاربة محتملة كهذه لن يكون بوسع موسكو إقناع بكين وطهران بتبنيها.
لم يذهب الملك الشائخ إلى روسيا خلسةً عن عيون واشنطن بطبيعة الحال.
تدرك الإدارة الأمريكية مأزق الملك، والأرجح أن ما سينفقه سلمان في موسكو على مذبح الخلاص من مأزقه، ستعمل واشنطن في الكواليس على تدويره ليصب في مصلحة حاجتها إلى استمالة الدب وتشذيب أظافره لصالح رؤيتها للملف السوري ومستقبل (الرئيس بشار الأسد) في المشهد السياسي مستقبلاً، لا سيما بعد سقوط داعش وبروز (دمشق - طهران - حزب الله) كقوة فارقة ومؤثرة في المسرح الإقليمي، وناظمة لقواعد الاشتباك فيه.
الموقف من النقيضين (حزب الله والكيان الصهيوني) هو الفيصل الذي سيتبلور على أساسه اصطفاف روسيا ووجهة استراتيجيتها ورؤيتها للصراع في الشرق الأوسط على المدى المتوسط المنظور، وبما أن علاقتها بتل أبيب مستمرة بمنأى عن علاقتها بمحور المقاومة، فإن تحدي الاحتفاظ بالضفتين معاً دون المقامرة بإحداهما لصالح الأخرى، هو ما يصم الدب القطبي بالازدواجية، ويجعله أقرب إلى الوقوع في مجال التأثير الأمريكي منه إلى المضي مع محور المقاومة والحركات الثورية المناهضة للهيمنة الأمريكية، وعلى رأسها حركة أنصار الله.
تتندم موسكو بأثر رجعي على القطيعة التاريخية مع خليج البترودولار بفعل السياسات السوفياتية التي قربت الحركات التحررية العربية، وحرمت روسيا من بوصة نفوذ في بحيرات النفط طبقاً للمقاربة الراهنة، وعليه فإن الدب القطبي المكبل بالرساميل الغربية، والساخط على ماضيه التحرري، لن يختار الوقوف مجدداً في الضفة المناوئة لأمريكا ووكلائها من دول الرجعية العربية.
ينبغي على المراقب الحصيف ألا يأخذ الاستقبال المهين لسلمان في موسكو على محمل التصديق بعدم مبالاة الدب القطبي بنياق البترودولار، فالأرجح أن غياب بوتين وحضور عمدة موسكو في مراسيم الاستقبال لأول ملك سعودي يزور روسيا، ليس إلا تمويهاً على لهاث هذه الأخيرة للتطبيع مع خليج البترودولار.. تمويه أراد من خلاله بوتين أن يقول لحليفيه الإيراني والسوري: (لن يمروا...)، فيما السيولة القذرة قد تدفقت إلى الحسابات البنكية لـ(الأولجاركيا) المضاربة في بورصات التكفير عن عقود الحرمان الاشتراكي .
* نقلا عن موقع صحيفة لا