لا تستوحشوا طريقَ الثورة لقلة سالكيه، فالله لم يزوِّدْ نبيَّه بجيش عندما أوحى إليه وحيداً في الغار وإنما قال له: “اقرأ…”، فعوامل النصر هي في نجاعة استقراء الواقع والوثوق بإمكانية تغييره مع صدقية النهوض والحركة، لا بالإمكانات المتوافرة في الراهن للتغيير وَانتظار توافرها كشرط للنهوض، وقد كان الواقع ناضجاً حينها للبعثة المحمدية كما هو ناضج اليوم للثورة وتحقيق الانتصار على تحالف عدوان قوى الهيمنة، فكل جذع تحديات هززناه إلينا واثقين بعدالة القضية وصوابية المسار تُساقِطُ علينا رطباً جنيَّا منذ الطلقة الأولى في المواجهة وحتى الباليستي الأخير.
مَن يقدِّس الثروة فهي في أيدي أعدائنا من ملوكٍ ورؤساء وأنظمة بلا كرامة، وَمن يقدس الكرامة فهي في ركاب ثورة الحفاة.. فأما الذين يدللون أقدامهم على حساب رؤوسهم فسيتساقطون في مستنقع الوصاية والرق والنخاسة تباعاً مع اشتداد وعورة الطريق وتعاظم التحديات وجسامتها، وأما الذين يخوضون بأقدامهم غمار الشوك ولُجَج اختلاج المنايا إجلالاً لرؤوسهم فسيمهرون صك الحرية والاستقلال بغبار الشموس والنيازك..
فشربوا منه إلا قليلاً منهم.. وأما المتعطشون للكرامة والانعتاق فاحتملوا مكابدة ظمأ الشوق ليردوا كريم المنهل ولم يركعوا عند أقرب ساقية كدرة ليقايضوا ظمأهم الخلّاق بشربة ماء ذليلة!