السفير البريطاني الأرعن ريتشارد أوبنهايم قال قبل عام من الآن إن التحدي باليمن في القدرة على تحمل تكلفة الغذاء وليس توافره. إذ أن المقصود من خلاصته هذه أن الحصار المفروض على اليمن لم يحقق أهدافه، ولن يحققها لوحده. فالبديل المحلي باليمن عن المستورد من السلع والمواد الغذائية، يضعف إلى حد كبير هدف الحصار.
لذلك ابتكر البريطاني بدفع أمريكي قراراً آخر في يناير 2023م، مع سرعة التنفيذ: (رفع تسعيرة الدولار الجمركي من 250 ريالاً، إلى 750 ريالاً، رفع الضرائب، رفع المشتقات النفطية) ليتحقق الهدف المنشود (ارتفاع تكلفة الغذاء) وبالتالي يصل البريطاني مع الأمريكي إلى غايتهم المفقودة (استسلام اليمن) أو خروج انتفاضة شعبية وذلك إحد المرادين.
ولعل ظهور السفير البريطاني الأرعن بتصرح داعم لتلك القرارات، يؤكد المعني المقصود من خلاصته قبل عام من الآن بأن: "التحدي في اليمن بالقدرة على تحمل تكلفة الغذاء وليس توافره". ويضعنا أمام حقيقة تلك السياقات التدليسية عن دعم السلام بينما هم يخوضون الحرب على اليمن منذ ٨ أعوام.
ربما لم يستفد البريطاني من تجربة 120 عاماً من الاستعمار التي انتهت بخروجه المذل من أرضنا رغم استحكام قبضته على كل مفاصل الحياة، فالمشهد ذاته سيتكرر اليوم بخروج أذل مهما بالغ في هندساته متوهماً عودة لاغية عليه وعلى أولئك الواهمين الذين ظنوا- وبعض الظن إثم وأغلبه وهم خادع- بأن اليمن لم تعد مقبرة الغزاة.
اللافت في الدعم البريطاني العلني بدفع أمريكي لقرار المرتزقة؛ أن بريطانيا اضطرت للخروج من مخبئها لتدير المؤامرة على اليمن علناً. بالمقابل يعفينا اللعب على المكشوف عن تدابير كثيرة لمواجهة العدوان المستتر.
إن هذا القرار لا ينم عن ذكاء عهدناه طيلة 120 عام من تجربتنا مع الاستعمار البريطاني؛ بقدر ما ينم عن حالة إفلاس رهيبة للاستراتيجيات ومجالات التطبيق للوصول إلى الهدف، وبنفس مقادير الإفلاس ذاته، يؤكد القرار أن مهندسه البريطاني الذي فقد كل موازين القوى باليمن قد فقد عقله أيضاً.
القرار البريطاني بدفع أمريكي لتدمير الاقتصاد اليمني وتجويع شعب غني بإباء الضيم، سبقته هندسات بريطانية في المجال السياسي، وأحد تمظهراتها السخيفة جاءت على لسان ذات السفير مغلفة بنصيحة لصنعاء تدعوها لاحترام المصير الواحد لليمنيين وستضمن لها مقعداً بمجلس الارتزاق الوظيفي، ولا أدري أين ذهب هذا الحس الوحدوي عندما قررت بريطانيا الخروج من (الاتحاد الأوربي) كما لا أدري لماذا يهندس البريطاني اقتصادنا بينما بلده تغرق حتى الرأس بأزمات اقتصادية خانقة هي أولى بالهندسة.
لقد كان أولى للبريطاني وهو يحاول أن يستعيد أمجاد أسلافه باليمن، أن يستعيد أمجاده المسلوبة من طارئة التاريخ، وأن يدرك أن مالم يتحقق له باليمن في ذروة مجده، لن يتحقق اليوم في أوهن ضعه.
وأولى للبريطاني أن يفهم ويعي جيداً أن لدى اليمن هندسات أدهى وأمر من هندساته السخيفة، ولعل أقلها وأيسرها نفاذاً بهذا التوقيت، أن شريككم بالحرب العالمية الثانية لم ينسى بعد تآمركم على اقتصاده، واتحاده، ولن ينسى أبداً هزيمته الساحقة أمام أدواتكم الوظيفية بأفغانستان التي نحن في مواجهة عسكرية معها اليوم.
ثم ماذا لو أن هندسة اليمن قررت تفعيل استراتيجية الموقع البحري في هذا الظرف العالمي العصيب؟ بلا شك إنها ستكون قادرة على إعادة تشكيل وجه العالم على النحو الذي تخشونه، فلا تسرفوا بأوهام هندساتكم حتى لا نسرف بحقائقنا.