حتى الآن لم يتم القصاص لآلاف الشهداء، ولم ولن يقف أحد معنا لنستطيع أن نأخذ بثأرهم. على الأقل فلنحاول نحن أن نجعل دماءهم لا تذهب هدرا، وهي لن تذهب بالتأكيد، ونحن مؤمنون بالعدالة الإلهية؛ ولكن ماذا يمكن أن نقدم للشهداء وفاء لدمائهم ومشروعهم؟
كل الشهداء عظماء بنظرنا؛ إلا أن لكل شهيد رمزية خاصة به يجب علينا الحفاظ عليها؛ فمثلا الشهيد القائد ضحى بحياته من أجل أن يستمر النهج القرآني الذي اقتبسه من القرآن الكريم، وعليه فإن الوفاء لدمائه يتطلب منا أن نحافظ على المبادئ التي ضحى من أجلها، وألا نسمح لأحد مهما كان أن يفرط في قيمة هذه التضحية عندما يقوم بتشويه هذا النهج العظيم بتصرفات أنانية تؤدي إلى تنفير الناس قبل أن تصل إليهم الرسالة.
ولنأخذ مثلا آخر، وهو الشهيد الرئيس الصماد، فمن أجل أن نكون أوفياء لدمائه علينا أن ندافع عن مشروعه النهضوي، وأن نسعى لتطبيق معنى "يد تبني ويد تحمي" الذي دعا إليه. ولتطبيق هذه النظرة لا بد أن نسعى جاهدين لأن ننجز للناس، وأيضاً أن نعمل على حماية هذه المنجزات من أن يضيعها المفسدون في الداخل أو المجرمون في الخارج، فأي فساد أو استهداف لأي منجز هو تواطؤ على دم الشهيد الصماد.
نحن بهذا سنقف مع أنفسنا قبل أن نقف مع هؤلاء الشهداء، وهم قد نالوا من الله ثواب ما عملوا، وما سنفعله نحن سيعود مردوده علينا. وتبقى علينا المسؤولية الدينية والأخلاقية في تجسيد المبادئ التي ضحوا بحياتهم ووقتهم ودمائهم لأجلها، ولن تنتهي مسؤوليتنا تلك بمجرد أن نسمع سيرتهم أو الترحم على أرواحهم الطاهرة فقط!
لن يقف معنا أحد إذا لم نقف نحن أولاً مع أنفسنا. وأنا أعلم أنه حتى لو مكننا الله من قتل كل مجرم شارك في التآمر على الشهداء فلن يكون هذا عادلاً، فليست دماء المجرمين كدماء الشرفاء؛ فهؤلاء لو عاشوا لكانوا غيّروا الحياة للأفضل، ومن هنا يأتي دورنا لنكمل ما بدؤوه من نضال وتضحية وسعي لتغيير واقعنا ومستقبلنا.
كل شهيد مشروع ثورة ضد العدوان والفساد والظلم ومحاولة استعباد شعبنا وقهر أمتنا. كما أن كل مجرم مشروع ضلال ضد النور والحرية والعدالة والحياة. وبمواقفنا نحن فإننا نصطف مع أحد الطرفين، حتى لو كنا ندعي عكس ذلك!
فكل شخص يدعي حب الشهداء ويعمل فيما فيه مصلحة للعدو، كنشر التضليل وتشويه مشروع الحق، أو أن يكون فاسدا، فذلك يعني أنه خائن لمسؤوليته، وخائن لدماء الشهداء وتضحيات الشرفاء، ولا يمكن أن يلتقي بهم أبدا وهو على هذا الحال، بل إنه أبعد ما يكون عن شرف السير على خطاهم.
* نقلا عن : لا ميديا