إلى ما قبل عامين كان العم سام- وأقصد به أمريكا- يتخفى خلف عناوين كثيرة ليوحي للآخرين أنه حمامة سلام وصانع لرفاهية الشعوب ، وهذا هو الوجه الذي يحاول أن يُبديه في كل الظروف والأحوال ، ويبدو أن حرب أوكرانيا أفقدت هذا النظام صوابه وجعلته يُظهر ما ظل يُخفيه ردحاً من الزمن ، خاصة أنه يحاول أن يهزم الخصم الأكبر في أرضٍ غير أمريكية ومن خلال تقديم الأسلحة والمال لأوكرانيا الذي نُشفق على أبناء هذا الشعب المغلوب على أمره لأن سياسة مسؤولية أوقعته في مطب كبير وفخ عميق فتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات والحروب بالنيابة.
المهم أن هذا الـ»سام» الذي للأسف يحمل اسم نبي كريم وهو سام ابن نوح عليه السلام تجاوزاً بدأ يكشر عن أنيابه ويظهر الحقيقة من خلال الحضور المباشر إلى المواقع التي يتمنى أن يُسيطر فيها كما هو الحال في اليمن ، حيث بدأ أول وفد أمريكي بزيارة المخا واليوم توالت الزيارات إلى كلٍ من محافظة المهرة ومحافظة حضرموت وكأنه يقول هذه المواقع هي التي كانت سبب العدوان على اليمن وهي التي نتطلع الوصول إليها لضمان السيطرة على مواقع نفوذ في هذا المنطقة ، طبعاً الذرائع والأسباب كثيرة ومكررة إلى حد أنها أصبحت مملة ، فالإرهاب هذا الغول الرهيب الذي صنعته أمريكا من خلال أزلامها في المنطقة ، بالذات السعودية ودول الخليج التي تسير وفق الإرادة الأمريكية حيثما وجهتها أحد الأسباب، أما السبب الثاني فهو ضمان حماية الملاحة في البحرين الأحمر والعربي، كما يدعون ، وهنا نتساءل بمرارة من الذي يقلق أمن العالم ويعطل الملاحة في كل المنافذ البحرية ؟! أليست أمريكا ومن ورائها بريطانيا والعديد من الدول الأوروبية ودولة الكيان الصهيوني ، لقد أعمتهم المصالح وجعلتهم يتصرفون بلا هُدى ودون وعي أو منطق ، يتحدثون عن القانون الدولي وهم أكثر من ينتهكه ، ويتباكون عليه وهم من يجعلون عيون المساكين والمحرومين تذرف الدموع نتيجة الأعمال المهينة التي يرتكبونها.
المضحك المبكي معاً هو أن نسمع فطاحلة ما يسمى بالشرعية وهم يتبارون في قنوات الزيف والبهتان للحديث عن ما أسموه صحوة العالم بحسب وصف أحدهم وهو اشتراكي من الوزن الثقيل ، لقد تباهى بوجود أمريكا في المهرة وحضرموت وبشر بقدوم بريطانيا إلى نفس المواقع لأنه يعتبرها صحوة ، لا أدري أي صحوة هذه؟! ربما أنه يتحدث عن الصحوة الصحيفة التي كانت تصدر عن حزب الإصلاح وأصدرها الأخ محمد اليدومي حينما خلع سترة الأمن السياسي وتحول إلى صحفي بقدرة قادر ، بعد أن مارس أبشع أنواع الظلم والقهر إلى حد القتل والسحل داخل أقبية السجون تحول إلى صحفي، انظروا إلى منبت هذا الصحفي وهذه هي مرجعيته القتل والسحل والإخفاء القسري لبشر ربما يفوقونه في رجاحة العقل والمنطق وفي العلم والقدرة على العطاء ، المهم هؤلاء قالوا إنها صحوة وبئس الصحوة ، ربما أنهم لا يزالون في غيبوبة الانحطاط المتعمد وعدم القدرة على الفهم للتفريق بينما هو في صالح الوطن وما هو ضده ، فها هم يتباهون بقدوم الاستعمار إلى أرضهم ، وبالمقابل يتحدثون عن احتلال إيراني لا وجود له إلا في عقولهم المريضة ، ويا له من داء هذا المرض العُضال الذي أصابهم لأنه فرض عليهم حالة تبلُد شديدة فلم يعودوا يفرقوا بين الحق والباطل ولا بين المستعمر والمستّعمَر ولا بين الأرض والعرض ، ولا بين السيادة والاستقلال وبين الاستعمار ، كُلها عندهم سواء طالما أنهم يتسلمون مبالغ مدنسة من المعتدين أنفسهم، والحقيقة أنهم كانوا أداة من أدوات هذا الاستعمار البغيض ، بل والبعض منهم أكل وشرب في جفان الاستعمار البريطاني أثناء وجوده في المناطق الجنوبية والشرقية من اليمن ، لكنهم استطاعوا أن يخفوا هذه الزلات من خلال تقمص دور الماركسي المتطرف، واليوم يعملون نفس الشيء مع أمريكا وبريطانيا وكل همهم فروجهم وبطونهم فقط ، أما عقولهم فقد أصبحت خاوية- كما قلنا- وبحاجة إلى إصلاح كامل .
في الأخير نسأل العم سام إلى أين هو ذاهب؟ وما هي الغاية من هذه التحركات البشعة؟ عليه أن يُدرك أن الشعوب شبت عن الطوق وخرجت عن نطاق الإحباط والخنوع طلباً للسلامة ، فالموت هو أبسط شيء عند كل الشعوب التي يحاول هذا السام البغيض السيطرة عليها أو سلبها الحرية والسيادة والاستقلال ، ولم يعُد هذا بخافٍ على أحد حتى عن صناع السياسة في أمريكا ، فهل يتنبه هؤلاء الصُناع لهذه الحقيقة ويدركوا أن سيادة واستقلال الشعوب بات خطاً أحمر لا يمكن لأحد تجاوزه إذا ما وجدت الإرادات الوطنية الصادقة المؤمنة بالله سبحانه وتعالى والقادرة على التحدي والصمود ، وهذا ما هو حادث في اليمن ، وعلى العم سام أن يفهم هذه الحقيقة بشكل واضح وجلي ، والله من وراء القصد ..