يحاوِلُ الكثيرون تقديمَ تحليلات وفرضياتٍ متعددةٍ لتفسير ما شهدته عدن خلالَ الأيام الماضية، وصولاً لنهاية المسرحية، في محاولة لتزييف الوعي بأن ما حدَثَ كان مفاجئاً وفرض نفسَه على الأحداث، لكن الحقيقة أكثرُ من واضحة، وما حدث جرى التخطيطُ له بشكل لا يمكنُ أن يخدع أيَّ متابع للأحداث منذ بداية العدوان وليس للأحداث الأخيرة في عدن.
ما حدث في عدن يمكنُ وصفُه بالمسرحية المكشوفة أدارتها السعودية والإماراتُ ومن خلفها القوى الغربية ولعبت أدوارَها جميعُ مكونات المرتزقة، فالهدفُ مما جرى هو خلقُ واقعٍ جديد متفَقٍ عليه؛ من أجل تحقيق أهداف العدوان بتقسيم اليمن وجعل ذلك الهدف مطلباً داخلياً لطرف مرتبط بالعدوان؛ كون السعودية والإمارات لا يمكنهما أن تطرَحا هذه الفكرة بنفسَيهما، وبالتالي جرى الاتفاقُ على أن يتولى حمْلَ هذا المطلب ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي.
وإذا كان الهدف مما حدث هو فرضُ تقسيم اليمن كأمر واقع، فإنه يمكن تلخيصُ وتفسيرُ ما حدث في عدة نقاط:
– كانت قوى العدوان تستطيعُ منْحَ ما يسمى المجلس الانتقالي السيطرةَ على عدن دون قتال، لكن ذلك لا يحقّقُ الهدفَ الإعلامي والسياسي من خلال تسليط الضوء على هذا المكون ومطالبه، وبالتالي كان لا بُدَّ من ترتيب معركة يتحدَّثُ عنها العالم.
– على المستوى الرسمي اتخذت دولُ تحالف العدوان موقفَ المحايد تجاه ما يجري في عدن والدعوة للحوار ووقف الاقتتال، بينما كانت على الأرض وخصوصاً الإمارات تدير التحول الذي جرى في عدن، وإعلامياً عمد الإعلام السعودي الرسمي على وصف ما يسمى المجلس الانتقالي بـ “الانفصاليين” وهو ما اعتقد البعض أنه تعبيرٌ عن رفض السعودية لما يحدث لن الحقيقة هي العكس، أرادت السعودية من هذا الوصف تكريسَ واقع ومصطلح جديد يتم تناوله؛ باعتبار وجود مطالب “انفصال” يجبُ الاصغاء لها؛ ولذلك طرحت قناةُ العربية السعودية، أمس، استفتاءً لمشاهديها عن أفضل الحلول للأزمة المفترضة في عدن بينها “منح حُكم ذاتي للجنوب”.
– الفار هادي وحكومته المشكلة في معظمها من حزب الإصلاح تظاهرت بأنها تتعرض لـ “انقلاب” لكنها في الحقيقة كانت جزء من لاعبي الأدوار في المسرحية، فكي لا تظهر أنها موافقة على تقسيم اليمن كان لا بُدَّ أن تظهَرَ كمهزومة وأنها تتعامل مع أمر واقع فُرض عليها؛ ولذلك وبعد سيطرة ما يسمى المجلس الانتقالي على المعسكرات ومعظم مناطق عدن أعلنت التزامها بدعوة تحالف العدوان لوقف إطلاق النار رغم أنها كانت تهدد بـ “مواجهة التحَـرّك الانقلابي دون أي تراجع”.
– الإصلاح وكي يبرر تواطؤه فيما حدث حاول عبر وسائل إعلامه أن يصور الأمور وكأن هناك خلافاً سعودياً إماراتياً، والحقيقة أنه لا يوجد أي خلاف، كما دفع بنشطائه في مواقع التواصل لمهاجمة الإمارات وتبرئة السعودية؛ لتبرير البقاء إلى جانبها وارتباطه بتحالف العدوان، لكنه في الموقف الرسمي لم يعلن أي موقف، بل إنه وباعتباره المكون الأبرزَ في حكومة الفار هادي قَبِلَ بالوضع الجديد، كما أن نشطاءَه الذين يتظاهرون بالهجوم على الإمارات في عدن لا يأتون على ذكر تواجد القوات الإماراتية في مأرب التي يسيطرون عليها!
– بعد تسليم عدن لما يسمى المجلس الانتقالي، بدأت وسائل إعلام العدوان وكُتّابُها وسياسيوها يتحدثون عن ضرورة الإصغاء لمطالب الانفصال ووضعها في أجندة أية مفاوضات للحل السياسي في اليمن.
– ما حدث في عدن هو ما تحدثت به القوى المناهضة للعدوان منذ بدئه قبل ثلاثة أعوام، وعلى رأسها قائد الثورة السيد عبدالملك، بأن العدوان اتخذ من ذريعة الشرعية غطاءً لتمرير المشروع الأمريكي الرامي إلى تقسيم اليمن وفق مشروع الأقاليم.
– بالتزامن مع تسليم عدن للمجلس الانتقالي يجري التصعيدُ شرقاً وشمالاً، وهناك يندمج الإصلاحُ مع الإمارات، التي يزعُمُ نشطاؤه أنها قوةُ احتلال، في ذات المشروع؛ لتمكين الإصلاح مما يسمى “إقليم سبأ” بنفس الطريقة التي جرت في عدن.
– إنقاذ اليمن من هذا المُخَطّط الخطير لن يتحققَ إلّا باستمرار مقاومة العدوان وحشد كُلّ الطاقات العسكرية والأمنية والسياسية والقبلية والاجتماعية وراء هدف تحرير اليمن من الاحتلال وتخليصه من مُخَطّط التفتيت.