العرب والمسلمون يجمعهم دين واحد، وعقيدة واحدة، وتاريخ واحد امتد لأكثر من 1400 سنة، كانت أزهى عصورهم، قدموا خلالها للبشرية ما لم تقدمه أي حضارة أخرى، خاصةً في العلوم والاختراعات والفنون والقيم الإنسانية والحضارية، وعلاقة الإنسان بربه والكون والبشرية.
الوضع العالمي الجديد ليس فيه مكان للقوى الهزيلة؛ إذ يجب أن يتغير تفكير العرب والمسلمين ويتفهموا بعضهم، ويحموا مصالحهم، ويشكلوا جميعاً قوة اقتصادية وسياسية صلبة، من خلال رؤية حضارية موحدة، متجاوزين الخلافات السابقة، حتى يستطيعوا حماية ثرواتهم وتنعم شعوبهم بالأمن والسلام والتقدم والازدهار، ويحتلوا مكانهم الطبيعي مع القوى العظمى التي تحكم العالم (أمريكا والصين وروسيا)، متجاوزين أوروبا واليابان وغيرها من التكتلات الاقتصادية والعسكرية.
وسنتحدث هنا عن الاتفاق السعودي - الإيراني الأخير، وما إذا كان سيسهم في إحلال السلام في المنطقة أم لا!
رغم ضبابية بعض بنود الاتفاق، إلّا أن الإدارة الأمريكية على علم بتفاصيله وحدوده، وربما نتوقع حدوث بعض ردود الأفعال الأمريكية غير المتوقعة تجاه السعودية، رغم استمرار مصالحهم التجارية والعسكرية. أما الرد الأمريكي تجاه إيران فيتوقع المراقبون توجيه ضربة «أمريكية - إسرائيلية» محدودة على إيران وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية.
على المستوى العربي، لا شك أن الاتفاق السعودي - الإيراني سيخفف التوتر في المنطقة ولو مؤقتاً، ويحقق في الوقت نفسه المصلحة العليا للبلدين، ويوقف الصراع المباشر بينهما (بضمانات دولية)، بغض النظر عن خلافاتهما العميقة حول اليمن ولبنان وسورية والعراق (فتلك ملفات ستظل غامضة)، وأما مستقبل تلك الدول، وعلاقتها مع الغير، فيحددها أبناؤها المخلصون. طريق «السلام والنهضة» مفتوح لأصحاب العقول الكبيرة. أما الصغار فسيسقطون أمام الأحداث القادمة.
السعودية قادمة على إقامة مشاريع اقتصادية وسياحية وصناعية عملاقة، وعليها توفير الأجواء الآمنة من أجل حماية تلك المشاريع، وسد أي ثغرة قد تسبب قلقاً في المستقبل، وذلك من خلال إعلان وقف حرب اليمن وجميع الأعمال العسكرية بشكل كامل ونهائي، وإعادة الإعمار وتقديم التعويضات العادلة لليمن. من هنا سيتم قطع الطريق على القوى الدولية من التدخل في شؤون المنطقة، وتبدأ مرحلة النهضة العربية الإسلامية بواقع جديد ومتطور.
المرحلة القادمة ستشهد تغيرا كبيرا مع وجود قوة اقتصادية وعسكرية ضخمة مثل الصين، وقوة عسكرية ونووية مرعبة مثل روسيا. أوضح ذلك داهية السياسة الأمريكية هنري كيسنجر، الذي قال: «إن النظام العالمي الجديد يستحيل أن يكون أحادي القطب، بل ينبغي أن يكون متعدد الأقطاب، مشتركاً بين الولايات المتحدة والصين». وهذا اعتراف مبكر بقوة الصين الاقتصادية وحاجة أمريكا للتعاون مع الصين، وليس الدخول في حرب معها، خاصةً وإلى جانبها روسيا. وسط هذه الأحداث العالمية، إذا لم يستيقظ العقل العربي فسيظل الوطن العربي مسرحاً مفتوحاً لصراع القوى الدولية والإقليمية لعقود قادمة.
الخلاصة: الجميع يعلم أن المنطقة العربية في العقود الأخيرة واجهت أزمات سياسية وحروباً وحشية تسببت بدمار كبير للعديد من الدول وقتل وتشريد ملايين البشر، وماتزال الجراح مفتوحة، ويجب تهدئة النفوس ومداواة الجراح وعودة الثقة بين دول المنطقة.
حان الوقت لمداواة الجراح في البلدان التي طحنتها الحروب (اليمن وسورية وليبيا والعراق) بسبب تداعيات ما يسمى «الربيع العربي» وضعف القيادات السياسية في تلك البلدان، وتلاعب القوى الإقليمية والدولية التي استطاعت اختراق تلك الدول من خلال ضعفاء النفوس وتجار الحروب الفاسدين، وكل ذلك صب في خدمة القوى الغربية، والخاسرون بكل الأحوال هم العرب.
* نقلا عن : لا ميديا