«إن معاناة إنسان واحد تؤذينا جميعاً.. وبهجة إنسان واحد تجعلنا جميعاً نبتسم».
قرأت هذه العبارة يوم أمس في كتاب «قواعد العشق الأربعون»، رواية عن جلال الدين الرومي، للكاتبة التركية «إليف شفق».. قرأتُ هذا حال انتهائي من قراءة خبر لرجل مُسنٍّ مات من الجوع، فأغلقتُ الكتاب بعد أن شوَّشت الصورة كلَّ صفاء، وأطفأت كلَّ رغبة في القراءة والكتابة والنوم.
كانت الصورة تحكي ألف عام من المرارة والقهر والحاجة.. مات هذا الرجل وبجواره بيوت كثيرة فيها من الطعام ما يكفي لتبديد حياة كاملة من الجوع هذا الرجل لم يمت من الجوع، بل أهل الخير هم الذين ماتوا.
مات من الجوع وهو يتأمل البيوت التي تحيط به، ويعرف أن خلف هذه النوافذ المضاءة أناساً هانئين بحياتهم ومتحلِّقين حول أُسرهم.. ويوقن أن خلف واجهات هذه البيوت موائد عشاء دافئة سيتبقَّى منها الكثير الذي سيُرمى في القمامة، دون أن يحسَّ بجوعه أحد..
مات وهو ينسج في خياله قطعة خبز صغيرة تسد جوعه وارتعاشة أضلعه، مات وهو يحلم بقطعة خبز يرمم بها شقوق جسده الـمُنهك، وقلبه الذي أصبح كإسفنجة متصلِّبة.
أين الإنسان في هذا الزمن المتوحش..؟ أين الإيمان الذي ربطه النبي، عليه وآله الصلاة والسلام، بهذه الحالات، حين قال: والله لا يؤمن، وكررها ثلاثاً، قالوا مَنْ يا رسول الله؟ قال: من بات شبعاناً وجاره جائع..!
في هذه الأيام تكون اللقمة كفيلة بإنقاذ حياة إنسان.. ويكفي أن يتبرَّع كلُّ تاجر، وكلُّ ميسور بكيس طحين لتمتلئ بيوت الفقراء دفئاً وحياة.
* نقلا عن : لا ميديا