في فجر التاسع من أيار، استيقظت غزّة وكلّ العالم المقاوم على صوت الغارات التي اغتالت القادة في “الجهاد الإسلامي” وعائلاتهم ومن بينهم أمين سر المجلس العسكري جهاد غنّام وزوجته وفاء شديد.
في اليوم نفسه، فُتح في الضاحية بيت لاستقبال التّهاني بالشهداء ولا سيّما الشهيدة وفاء، ابنة الضاحية.
يعيد المشهد ذاكرة عميقة جدًا ملؤها الدم، دمنا، ولا فرق إن في السجلات كان لبنانيًا أو فلسطينيًا أو سوريًا أو غيرها. فالشام كلّ الشام، كما كلّ بلاد الشرف المقاوم ذرفت من دم أحبّتها في الصراع مع الصهاينة. ولطالما كان كلّ بيت في الضاحية يتلقى نبأ الشهادة من فلسطين فتُفتح فيه القلوب للتهاني وتتبع الأعين خطوات مشيّعي الشهيد إلى مثواه. كما أنّه في كلّ مرّة شنّ فيها العدوّ عدوانًا على غزّة، كانت الضاحية تستعيد تموزها مشهدًا تلو مشهد، وتستذكر مع كلّ مجزرة يرتكبها الصهاينة في غزّة تحديدًا مجازر تمّوز كلّها وكلّ ما عرفته الضاحية وأهلها من جراح.
دم الشهيدة وفاء شديد غنّام جسّد مشاعر الضاحية ورابطتها بغزّة على هيئة بيت يُفتح لتقبّل التهاني بشهيدته التي ارتقت في غزّة، يودّعها من هنا، من خلف الحدود الزائلة ولو بعد حين. يحضر أحبّة العائلة وجيرانهم، كأنّهم اتجهوا ناحية غزّة بواجب تبريك. ولا فرق بين العنوانين في أداء الواجب، فالبيتان بيت واحد يجمع غزّة المحاصرة الأبيّة وضاحية الحب التي تعرف جيّدًا رائحة الغارات وما تخلّفه في ركام البيوت وجدران القلوب.
يتخيّل المرء سيناريوهات كثيرة سبقت ذهاب وفاء إلى غزّة زوجة لقياديّ مقاوم. وفي كلّها، رأينا بيتًا يعرف جيّدًا أن المقاومة في كلّ مكان هي عزّ وفخر، وأن لا خوف على ابنته من الزواج والعيش في القطاع الذي حوّله الاحتلال إلى سجن كبير، فكلّ أرضنا سجن حتى يزول الاحتلال، وكلّها ميدان حرب واحدة، وحيثما عاش أو ارتقى المرء فيها، يعش مقاومًا ويرتقِ شهيدًا.
ورأينا بيتًا يباهي الدنيا بحزنه الأبيّ، يعتزّ بدمه المرفوع إلى السماء مظلومًا شهيدًا، ويقول للعالم كلّه إن هنا في الضاحية بيتًا نصفه في غزّة، وفي فلسطين فلذة روحه وكبده، وفاء.
منذ ما قبل “سيف القدس” إلى ما بعد “ثأر الأحرار”، غزّة والضاحية توأما قتال يعرف جيّدًا كيف يؤلم عدوّه، وإن عزّ على أهل الضاحية أنّ بيوتهم في هذه المعركة آمنة وبيوت الغزاويين مهدّدة بالغارات وبالقصف. بالأمس، حين أشرقت شموس الصواريخ التي مرّغت أنف كيان الاحتلال بالأرض، وبلغت “تلّ أبيب” وشلّت المستوطنين على امتداد الأرض المحتلّة، كان أهل الضاحية يحيون اللّيل حبًّا ودعاءً، قلوبهم مع أطفال فلسطين، كقلوب الأهل إذا أوجعتها اللهفة لاحتضان طفلها البعيد، وعيونهم على السماء التي زُرعت بنجوم صاروخية تقارع الاحتلال وتهزمه حتى قبل أن تصل. وكانت وفاء، ابنة لحمهم ودمهم، وتصير فصلًا جديدًا من تاريخ يوغل في الزمان، تاريخ عنوانه دم واحد.
- المصدر: موقع العهد الاخباري