ليست المرة الأولى التي تغتال فيها “إسرائيل” قادة للمقاومة في غزة أو في منطقة أخرى من فلسطين المحتلة، وحتى خارج فلسطين المحتلة، فمسار جرائمها في عمليات الاغتيال الغادرة باستهداف مقاومين في بيوتهم ومع عائلاتهم وأطفالهم، مسارٌ متواصل ومتجذر في سياسة وتاريخ الكيان، ولكن، قد يكون لعملية الاغتيال الأخيرة لقادة الجهاد الاسلامي في غزة الشهداء جهاد الغنام وخليل البهتيني وطارق عز الدين، بُعدٌ مختلفٌ بالكامل عما سبقها من عمليات اغتيال، وربما تكون نقطة مفصلية في مسار المواجهة المفتوحة بين الكيان المحتل وبين المقاومة الفلسطينية بشكل خاص ومحور المقاومة بشكل عام.
“ثأر الأحرار”، الاسم الذي أطلقته غرفة العمليات المشتركة لعملية الرد على جريمة العدو الأخيرة في غزة، جاءت لتشكل نمطًا مختلفًا في الشكل والمضمون لمرحلة جديدة وغير تقليدية من مراحل هذه المواجهة المفتوحة والمتواصلة مع العدو، وذلك على الشكل التالي:
– أُطلقت العملية من غرفة العمليات المشتركة لكافة فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، الأمر الذي يؤكد التزام كافة هذه الفصائل تبني وتنفيذ الرد تحت عنوان “ثأر الأحرار”، وهذا الأمر كان من النقاط التي ساهمت في نجاح الرد الصاروخي، والذي جاء نتيجة تنسيق ودراسة مشتركة لعمليات فصائل المقاومة صاحبة الخبرة والتجربة الواسعة في إدارة وقيادة وتنسيق عمليات الإطلاق الصاروخي، وعلى رأسها – بالاضافة للـ”الجهاد الإسلامي” – “حماس”.
– حتى الساعة، تجاوز عدد الصواريخ التي أطلقتها المقاومة من غزة السبعماية صاروخ، والعدد كما يبدو مرشح بقوة لكي يرتفع أكثر، ومع نجاح واضح في تجاوز منظومة القبة الحديدية للعدو، وبنسبة لامست الخمسين بالمئة، وباستهداف فعّال لمروحة واسعة من المستوطنات والمدن القريبة والبعيدة.
– جاء الرد تحت عنوان “ثأر الأحرار”، في توقيت حساس واستثنائي ليشكل صفعة لنتنياهو ولحكومته، والذي كان يراهن من وراء قراره بتنفيذ عملية الاغتيال، على استرجاع ما فقدته حكومته من توازن وتماسك بعد الخلافات الداخلية الصاخبة على خلفية التعديلات القضائية، وفي الوقت الذي أراد فيه من عملية الاغتيال جسر عبور وانقاذ لهذا اللاتوازن الذي تعيشه حكومته، جاء رد المقاومة الصاعق في “ثأر الأحرار” ليزيد هذا الشرخ وليعمق الخلافات الداخلية، وليفضح المستوى الضعيف في استدراك ردة فعل المقاومة الفلسطينية، وليكشف الضعف في مستوى جهوزية أذرعه العسكرية والأمنية بمواجهة المقاومة الفلسطينية وخاصة في منظومات الدفاع الجوي أو القبة الحديدية.
– أيضًا، جاءت صفعة الفشل في احتواء ومواجهة رد المقاومة، في الوقت الذي يخوض فيه نتنياهو اشتباكًا استراتيجيًا بمستوى مرتفع جدًا بمواجهة إيران، على خلفية المسار غير الواضح بالنسبة لما سوف يصل فيه الاتفاق النووي وما سوف تثبته ايران في هذا المجال، أو على خلفية ما خسره استراتيجيًا في مسار التطبيع، بعد الاتفاق السعودي الإيراني ونتائجه الكارثية على “إسرائيل” فيما خص التطور الايجابي في العلاقات العربية والخليجية مع ايران.
ويُسَجَّل للمقاومة الفلسطينية نجاحها في استهداف “تل ابيب”، حيث اتخذ القرار بتنفيذ عملية الاغتيال الغادرة في غزة، في الوقت الذي من المفترض أن تكون “تل أبيب” محمية من الاستهداف الصاروخي، على الأقل حتى المرحلة الأخيرة.
وهنا في هذا الاطار، من الضروري الإضاءة على فشل القيادة العسكرية والأمنية للكيان في استدراك طبيعة وشكل رد المقاومة، حيث غابت – كما يمكن أن نسنتتج – التحضيرات المفروضة لمواجهة ردة الفعل الفلسطينية، وحيث كما يبدو أيضًا، غابت الاجراءات البديلة المناسبة لاستيعاب عملية الرد الفلسطيني، وهذا الأمر يؤكده اليوم، موقف نتنياهو الضعيف وهرولته مع فريقه باتجاه دول وأطراف اقليمية معروفة بلعب دور الوساطة دائمًا، لتلمس تهدئة ووقفًا لاطلاق الصواريخ من غزة.
وأخيرًا، تبقى العبرة الأساسية من نجاح رد المقاومة الفلسطينية على عملية الاغتيال الغادرة في غزة أبعد من الساحة الفلسطينية، لتصل إلى المسرح الإقليمي الواسع، والذي يحضن هذا الصراع بين الكيان وبين محور المقاومة.
فأن تنجح المقاومة الفلسطينية المحاصرة والمحدودة الامكانيات، والمقيدة من الناحية الجغرافية أو من ناحية تداخل قطاع عملها بشكل كامل مع المناطق والأحياء السكنية، هذا يعني أن هذا النجاح هو نموذج مصغر عما ينتظر الكيان في مواجهة أبعد وأوسع، في الجغرافيا وفي القدرات وفي الإمكانيات.
- المصدر: موقع العهد الاخباري