يحتفل لبنان والمقاومة كل عام في الخامس والعشرين من أيار بعيد المقاومة والتحرير، وعبر مسار أصبح ثابتًا ومدروسًا، تُعطى الذكرى ما تستحقه من رمزية "مقدّسة" في الشكل والمضمون، لتأتي أولًا مُعبّرة بصدق عن أهمية المناسبة ومعانيها، كاستمرار ثابت لمسيرة الوفاء للشهداء والالتزام بنهج المقاومة ومواجهة العدو الصهيوني، ولتشكل ثانيًا، الفرصة الأنسب لايفاد الرسائل التي تترجم مواقف المقاومة وتؤكد أهدافها، وليبقى دائما وفي كل مناسبة سنوية المحرك الأساس لهذه الرسائل التوقيت وحساسيته ومستوى ارتباطه بالأحداث والتطورات.
اختار حزب الله في عيد المقاومة والتحرير لهذا العام، أن يطعّم الأجواء الاحتفالية بالذكرى بمناورة رمزية عرض فيها بعضًا يسيرًا من أسلحته، وأضاء فيها أيضًا وبطريقة ضمنيّة على بعض من تكتيكاته وأهدافه. وفي توقيت استثنائي، أجابت رسائله من المناورة على مروحة واسعة من المواقف والأحداث، من المفترض التوقف عندها واعطاؤها ما تستحقه، في المضمون والأبعاد.
أولًا: اختيار مكان المناورة في منطقة جنوبية لبنانية عاشت وبامتياز، مخاض المقاومة والأعمال القتالية والعمليات ضد الاحتلال حتى التحرير، فكانت المناورة التي كشف فيها عن بعض من القدرات النوعية، وكأنها إعادة إحياء لزمن المواجهات وأعمال المقاومة وفي مكان مقدس طهرته دماء الشهداء.
ثانيًا: جاءت المناورة بما عرضه حزب الله من قدرات أو تكتيكات، لتثبيت وتأكيد استراتيجية المواجهة الواضحة، من خلال الوحدات الخاصة التي كشفت بكل جرأة عن مهماتها وأدوارها عند أية مواجهة، وعلى رأسها العبور خلف الحدود مع فلسطين المحتلة والسيطرة على مستعمرة أو أكثر وأسر جنود للعدو.
جانب آخر من جوانب المناورة، كان عبر عرض بعض راجمات الصواريخ المتعددة الفوهات، وبعض المسيّرات المختلفة المهام، لتكون رسالة هذه الأسلحة تأكيدًا على أهمية وثبات مناورة القدرات الصاروخية وقدرات المسيّرات في استراتيجية المواجهة، بمعزل عن امكانيات هذه الصواريخ والمسيّرات لناحية الدقة والمدى والقدرة التفجيرية والتدميرية.
ومع تعمد الغموض المقصود عبر إخفاء ما يجب اخفاؤه من قدرات وأسلحة، ظهر منها بعض اللمحات غير الكافية لتبيان مستوى ومجالات عملها تحديدًا، يبقى لمفاعيلها عند العدو في أية مواجهة مهمة الكشف الواضح عن امكانياتها.
ثالثًا: جاءت المناورة (-وللمصادفة الجميلة- على بُعد أيام من عملية "ثأر الاحرار" في غزة، والتي فرضت فيها المقاومة الفلسطينية على العدو أكثر من معادلة ردع، لتؤكد قدسية استراتيجية وحدة الساحات بمواجهة الاحتلال، وأهمية الالتزام بهذا الترابط بمواجهة عدو واحد لكل اطراف محور المقاومة.
ورسالة أخرى جاءت عبر هذا التزامن في مناورة ذكرى المقاومة والتحرير مع عملية "ثأر الاحرار"، مفادها أن غزة المحاصرة والمقيدة جغرافيًا وشعبيًا واقتصاديًا، استطاعت في هذه العملية فرض معادلاتها وشروطها على العدو، فكيف ستكون قدرة التأثير على العدو عند أية مواجهة له مع حزب الله، وهو الطرف غير المحاصر صاحب المبادرة والامكانيات غير المحدودة وغير المقيدة؟
ولتبقى الرسالة المحلية لكل اللبنانيين من هذه المناورة وفي هذه الذكرى العزيزة أيضًا، أن سلاح المقاومة هو سلاح كل لبنان واللبنانيين، وكما كان سلاح التحرير ودحر الاحتلال، وكما كان سلاح مواجهة الارهاب وحماية لبنان منه، وكما كان سلاح تثبيت الحقوق وانتزاعها في الترسيم البحري، سيبقى دائمًا السلاح الاستثنائي للوطن عندما تغيب أو تضعف امكانية حصول الجيش اللبناني على ما يحتاجه بمواجهة عدو غاصب، يملك من الامكانيات ما يُمَكّنه من ترجمة أطماعه احتلالًا أو اعتداءات مؤذية، فيما لو غابت فرصة وإمكانيات وقرار مواجهته.
* نقلا عن :موقع العهد الإخباري