ثَمَّةَ نماذجُ ملموسةٌ وواقعيةٌ في قضية الصراع العربي الإسلامي مع الكيان الصهيوني، تدفعُ الوعيَ العام إلى مغادَرةِ حالةِ التهويل والتهيُّبِ من خوض غمار المواجهة معه، كما تدفعُ إلى التقليلِ من قوة هذا الكيان وَتكشف وهنه وضعفه، وَتجعلُ قناعةَ القدرةِ على هزيمته واندحاره قريبةً وَفي متناول الأيدي، وبأقل الإمْكَانات العسكرية والمالية.
أمامنا نموذجان للمقاومة، ليس دولاً ولا أنظمةً بل فصائلُ قليلةُ العَدَدِ والعُدة، لا بنوكَ تحت إدارتهم ولا يدَ لهم مبسوطةً على ثروات ومقدرات أوطانهم، نموذجان غاب عنهما كُـلُّ سبل الدعم والإمْكَانيات التي كنا نتحجَّجُ بها كشرطٍ للمواجهة وتحقيق الانتصار.
النموذجُ الأول: حزبُ الله، ذلك الكيانُ العربي الإسلامي المقاوِم الذي عانى ولا يزالُ من حالة الاستهداف الداخلي والإقليمي وَالدولي له، حصاراً وَتشهيراً وَقطعاً لكل سبل الإمدَاد وَتحشيداً لكل مؤامرات التحجيم والتقويض لحضوره الشعبي والسياسي في ساحته المحلية، ورغم كُـلّ هذه المعوقات خاض حربَه بوجه الكيان الصهيوني، ومن خلف هذا الكيان كان العالَمُ كُلُّه يتموضَعُ بين داعم وبين ملتزم للصمت، فيما كان ولا يزالُ من وراء حزب الله إخوةٌ أعداءٌ يتربَّصون به ويراهنون على انكساره، ولا يرَون حَرَجاً في توجيهِ الطعنات لظهره في أحلك الظروف التي كان يمُرُّ بها لحظةَ المواجهة!، ورغم كُـلّ تلك المنغصات الثقال انتصر وَحقّق ما لم تستطعْ جيوشُ العرب مجتمعةً تحقيقَه طوالَ تاريخ الحرب المفترَضة ضد الكيان الصهيوني التي نقرأها في أرشيف الصراع.
النموذج الثاني:
غزة وفصائل مقاومتها العربية الإسلامية الباسلة، رغم العُزلة والجغرافيا الضيِّقة والحصار الشامل من الأشقاء والأعداء على السواء على أبسط أدوات المقاومة، وَالأزمات الداخلية المعقَّدة، إلَّا أنها الأُخرى فرضت معادلةً جديدةً في الصراع، وأكثرَ من ذلك؛ إذ نجحت في تحجيم طموحات الكيان الصهيوني بدولة يمكن أن تحكم سيطرتها على كامل أرض فلسطين، ناهيك عن مزاعم دولة تمتدّ من الفرات إلى النيل.
وفيما صارت غزةُ وجنوبُ لبنان اللتان تمثلان خنجراً للمقاومة في خاصرة الكيان ودوامةَ رعب بات يحيط به، فَــإنَّ الطريقَ إلى بقيةِ الوطن العربي أسهلُ أمامَه وَمعبَّدةٌ بعواملِ الخيانة والتواطؤ والذل الذي يحكُمُ منظوماتِ الحكم في هذه الأوطان.
والخلاصةُ أن هذه النماذجَ المشرِّفةَ قد فضحت الكيانَ وَالخونةَ على السواء، وكُلُّ رأس مالها الإرادَةُ والقرارُ والتسلُّحُ بالإيمَـان وبالحق والقضية؛ وَهو ما ينقُصُ البقيةَ من حكامِ وأنظمةِ الأُمَّــة.