كان يا ما كان، في قديم الزمان، كان الحج فريضة دينية تجمع المسلمين من كل أنحاء العالم؛ إلا أن المملكة السعودية حوّلت هذه الفريضة إلى أداة سياسية لخدمة مصالحها، وبعد أن كان الحج تجمعاً سنوياً لوحدة المسلمين ولم شملهم تحت راية واحدة لإعلان البراءة من المشركين، سمحت السعودية بدخول اليهود إلى الأراضي المقدسة، وتماهت مع مشاريع التطبيع مع الكيان "الإسرائيلي"، وتحولت بلاد الحرمين الشريفين إلى وكر لليهود وتنطلق منها سياسات التدمير والتقسيم والقتل والإرهاب في بلاد المسلمين.
خلال السنوات الماضية برزت دعوات إسلامية في عدد من البلدان لتشكيل هيئة عامة مهمتها الإشراف على مراسم الحج والعمرة من عدة دول إسلامية بدلاً من أن يستفرد النظام السعودي بموسم الحج وما هو مرتبط به، الأمر الذي جعل المملكة تستنفر وتتصدى لهذه الدعوات، التي اعتبرها مشائخ البلاط الملكي ضالة وكافرة، لمعرفتهم أن النفط سينضب خلال أقل من عشرين عاماً قادمة، أما الحج إلى بيت الله الحرام فهو نفط السعودية الذي لا ينضب.
من المتوقع أن تبلغ إيرادات موسم الحج العام الحالي نحو 31.7 مليار ريال سعودي، بنسبة ارتفاع قدرها 3% مقارنة بالعام الماضي، بحسب دراسة حديثة أجرتها الغرفة التجارية الصناعية في مكة، ومن المتوقع أن تُشكل الإيرادات من حجاج الخارج 89% من إجمالي الإيرادات لتبلغ 28.2 مليار ريال، بزيادة نسبتها 3% مقارنة بـ27.5 مليار ريال العام الماضي، فيما ستشكل إيرادات حجاج الخارج هذا العام 11% من إجمالي الإيرادات، لتصل إلى 3.5 مليار ريال، بزيادة 3% عن العام الماضي، إذ بلغت 3.4 مليار ريال.
كل هذه الأموال التي تورد إلى الخزينة السعودية، تذهب للكيان الصهيوني، بحسب ما صرح جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ومستشاره في البيت الأبيض، الذي قال بأن السعوديين سمحوا له بالاستثمار في شركات "إسرائيلية" بعد تلقي شركته الاستثمارية الخاصة مبلغ 2 مليار دولار من صندوق الثروة السيادي السعودي، فيما تذهب بقية أموال الحج لقتل أطفال اليمن وسورية والعراق وليبيا وغيرها من الدول، فهل في ديننا ما يجيز للمسلم أن يدفع أموالاً تعين الظالم على ظلمه؟! وهل يجوز أن ندفع ما ندخره للمشاركة في دعم الكيان الصهيوني أو لقتل المسلمين، في حين يموت الآلاف جوعاً وفقراً وحاجة وفاقة.
بالنسبة لليمنيين فالأمر يتجاوز مسألة دفع الأموال لسلمان وابنه المهفوف؛ لأن الضرر علينا أكبر، في كل بيت ثمة قصة وجع خلفها عدوان السعودية، وفي كل قرية مجزرة مطبوعة في ذهنيتنا لا يمكن نسيانها، وفي كل مدينة آثار العدوان لاتزال واضحة نشاهدها كل يوم، ومن يعتقد أن مسألة الحج لا علاقة لها بالسياسات السعودية، فليسأل نفسه: لماذا منعت المملكة اليمنيين من أداء هذه الفريضة منذ بدء عدوانها على اليمن؟! وإذا كانت الهيئات الدينية السعودية بعيدة عن الإرهاب الذي مارسته المملكة في اليمن، فلماذا أعلنت هيئة كبار العلماء السعودية، أن "عاصفة الحزم" جهاد في سبيل الله، وعبّرت عن تقديرها لما يقوم به الجيش السعودي في "عاصفة الحزم" التي قالت إنها "انطلقت ضد فئة باغية منحرفة تريد الاستئثار باليمن ومصادرة قراره وخدمة جهات خارجية"؟!
لست بحاجة إلى أن أذكّر حجاج اليمن بمجزرة تنومة؛ لأن أغلبهم لا يريدون الالتفات إلى التاريخ، ويعتبرون أنفسهم أولاد اليوم، وبناء على ذلك سأذكّرهم بمجزرة الصالة الكبرى، ومجزرة أطفال حافلة ضحيان، ومجزرة مدرسة الفلاح في نهم، ومجزرة حي عطان، ومجزرة نقم، ومجازر حفلات الزفاف في المخا وسنبان وبني قيس، ومجزرة هيسان في حريب القراميش، والمجزرة التي تعرضت لها أسرة الحوري في المحويت، ومجزرة الحي الليبي في صنعاء، وحي سوق الهنود بالحديدة، ومحرقة السجن الاحتياطي في صعدة، وسجن ذمار وسجن الزيدية بالحديدة... ومئات المجازر الأخرى على امتداد الجغرافية اليمنية.
في حال كان حجَّاجنا الأفاضل تناسوا كل المجازر والأشلاء التي خلفتها المملكة، عندي سؤال فضولي: هل أخذوا معهم ضمن وفدهم الرسمي ممثلين عن وزارة حقوق الإنسان؟! فلعلهم يتذكّرون في البقاع المقدسة أن ثمة 50 ألف يمني معتقلين داخل السجون السعودية دون أي محاكمات أو إجراءات قانونية تدينهم أو تثبت مخالفتهم القانونية للنظام السعودي، بينهم أكثر من 20 ألف معتقل خضعوا لمحاكمات جائرة بتهم ملفقة وكيدية، منهم ما يقارب 500 سجينة يمنية مغتربة في سجن الخرج.
أما من ذهبوا للحج باسم وزارة الأوقاف بصنعاء، فهل كان في استقبالكم في الأراضي المقدسة وزير حكومة المرتزقة، الذين تعترف بهم المملكة؟! أم أنه تأخر عن موعد استقبالكم حتى ينتهي من مقابلة يجريها مع إعلام العدوان يصفكم فيها بـ"المليشيا الإرهابية"؟!
* نقلا عن : لا ميديا