تتزاحم معظم لحظات الكتابة الأوجاع والمآسي في فكر ومخيلة الكاتب إلى الحد الذي يوقعه في حيرة، من أين يبدأ؟ وبماذا ينتهي؟ هل يخرج من جلده، ويتناسى همومه، ويكتم أنينه، ويتصابر على آلامه وجراحه، ويلغي شأنه الخاص من قائمة ما يتناوله من مواضيع، ويكتفي بطرح كل ما له علاقة بالشأن العام من قضايا ومواقف، وانتكاسات وتطلعات، وصلاح وفساد، وإيمان ونفاق، وعدل وظلم، وحق وباطل، وصدق وكذب، وفقر وغنى، وغير ذلك؟
صحيحٌ أن في الشأن العام الكثير من الأمور التي يرى المرء نفسه معنياً بها، ومطالباً باتخاذ موقف حيالها، سلباً أو إيجاباً، ولا يجوز له بأي حال من الأحوال الوقوف على الحياد مطلقاً، لاسيما إذا كانت القضية قضية دين ومصير وتضحيات وثورة ومشروع رسالي شامل، وكان هنالك أكثر من معركة في الساحة بين الحق والباطل، بحيث لو سكت كان خاذلاً للحق، وإنْ لم يفعل شيئاً لخدمة الباطل، بحسب ما ورد عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، بل يصبح شيطانا أخرس، بحسب ما ورد عن رسول الله الأكرم، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكن الإنسان ليس آلة، يمكن برمجة عقله على جانب بعينه، وحذف الجوانب الأخرى من قائمة اهتماماته، وسلم أولوياته، مهما حاول أن يتناسى نفسه، ويتجاهل جمرة أوجاعه، منصرفاً إلى بحر هموم عامة الناس، ومحاولاً إنقاذهم من أعاصير من النيران تطوقهم من كل الجهات.
من هنا يتجلى الفرق بين الكاتب، وبين سواه من الناس، فالكاتب يشقيه ويؤلمه، ويقض مضجعه كل ما يشقي ويؤلم ويقض مضجع الناس جميعاً، ولكنه على الرغم من وعيه الجمعي، واتحاده واندماجه الكلي مع المجتمع، سرعان ما يرى نفسه وحيداً، وذلك عندما تهجم عليه المصائب فجأة، ودون مقدمات، ورحم الله البردوني، الذي قال:
حين يشقى الناس أشقى معهم
وأنا أشقى كما يشقون وحدي.
* نقلا عن : لا ميديا