القاعدة السوية في البحث عن الحقيقة: «ليس كل من يدافع عن الحقيقة يهتم بالبحث عنها، وليس كل من يبحث عن الحقيقة يهتم بالدفاع عنها»؛ لأن البحث عن الحقيقة وقولها يعني البحث عن تطوير تكتيك التغيير الثوري السوي، الذي يمتلك الوعي والقيم والمشروع، مما يعني الجمع بين أقصى صرامة مبدئية وأعلى روح علمية عملية وأعمق إدراك لطبيعة المرحلة.
كلنا نعلم أن الباحث عن الحقيقة وقائلها هذه الأيام هو أكبر عدو للمسؤول الفاسد والسياسي الرخو والمتدين الزائف؛ لأن مصير سلطة هؤلاء الثلاثة متوقف على جهودهم في إفساد وتسييس وتديين الرأي، أي تحويله من سياق الرأي البشري القابل للصواب والخطأ إلى اعتباره جزءاً من الدولة والوطن والدين، بهدف تعطيل عقل الآخر عن التناول النقدي لمنتج بشري هو رأي صاحبه. فهدف هذه العقول الثلاثة هو اكتساب سلطة ليست من مكونات الدولة ولا الوطن ولا الدين، لتساعدهم هذه السلطة في فرض رأيهم ومواقفهم ومشاريعهم الخاطئة والفاسدة والفاشلة على المجتمع دون تمحيص، وبالتالي التحكم بالقرار السياسي والفعل الوطني والموقف الديني.
إن (الأفكار والدين والدولة)، التي تتبناها سلطة أحكامها عن الآخرين مسبقة، لا تقدم ولا تستقبل سوى الباحث اللزج والمطاط المتزلف. وآفة هذا الباحث هي النظرة الجزئية والاقتطاع من السياقات العامة. والنظرة المقتطعة من سياقها لن تؤدي للنتيجة الأساسية للبحث، التي هي الوصول للحقيقة أو مقاربتها، بل لدعم الرؤية التي يريدها أصحاب أفكار السلطة المطاطية والمتزلفين، فتجدهم يقرؤون كل شيء قراءة انتقائية؛ إما بهدف التقديس المطلق وإما بهدف التشنيع الشامل، مدعومين في ذلك بعدم قراءة الأحداث أو الأفكار في سياقها المنطقي أو المعرفي، وعدم تناول ما يعرض لهم في سياقه الأخلاقي والاجتماعي والثقافي العام.
إن البحث اللزج والمطاط لا يؤدي إلا إلى نتائج ظاهرها المعرفة وباطنها التعصب لفريق، أو التعصب ضد فريق، أو التعصب لمذهب أو ضد مذهب، أو التعصب لمنطقة أو ضد منطقة... مجرد أشخاص يريدون أن ينتصروا لقناعات وأحكام سابقة (هم من صَنَعها أصلاً) على الحقيقة ذاتها، ويفتشون عما يدعم هذه القناعات، ثم يعلنون نتائج ليست بنتائج، بقدر ما هي قناعات ذاتية وأحكام شخصية لا قيمة لها في ميزان التقييم الموضوعي للحقيقة الثابتة.
للأسف الشديد لدى السلطة أكبر موروث من الفِرَق اللزجة والمطاطة والمتزلفة تدافع عن الفشل والفساد بكل ما أوتيت من قوة نزقة. والأدهى والأمرّ هنا أن هذا يدفع بالكثير إلى سوق النخاسة الثقافية والتفاهة، وكأن حقائق البطولات والتضحيات والمواقف التي تتشكل على أرض الواقع وفي جبهات الشرف، ليست جزءاً من البنية النفسية والعقلية لمستقبل الوعي الشعبي بالتغيير الثوري الصحيح، وكأنّ هذا الفريق اللزج وذاك الفريق المتزلف والمطاط يرد على تطرف الخونة والعملاء والمرتزقة بتطرف موازٍ، مما يجعل المجتمع نفسه متورطاً فيما يحاربه من ناحية، وفي الوقت عينه يلقي الناس بأنفسهم زمراً في أحضان أي تيار بديل يحمل شعارات وطنية أو إنسانية أو حقوقية، من دون أي مراجعة أو بحث أو حتى سؤال نقدي يأخذ في اعتباره ظروف وأفكار ومشروع نشأة التيار البديل هذا.
وعندما تصل عقلية وقناعة الناس والمجتمع للارتماء في حضن التيار البديل، فإن ظروف وأفكار ومشروع ومال ونشاط هذا التيار، تدفع بهم جميعاً، شعباً ودولة، ليكونوا تابعين ومرتهنين للوصاية الخارجية. هنا يجب أن تتحلوا بروح السؤال القرآني: «أفلا تعقلون؟!»، «أفلا تتفكرون؟!»، «أفلا تنظرون؟!»، لتحصلوا من الباحث الصادق والبحث السوي عن الحقيقة، دون حكم أو تعبئة مسبقة (مع أو ضد).
ختاماً ونصيحتي: بجاه الله، استعينوا على قضاء حوائجكم من المجتمع اليمني بالبحث عن الحقيقة وقول الحقيقة دوماً وأبداً. اطرحوا للناس الحقائق الصحيحة كما هي ومهما كانت؛ لأن إسقاطكم لسياقات الحقيقة يورطكم دوماً في اختراع كذبات وشائعات يتم عليها تنفيذ مشاريع وإصدار قرارات تخدم الفاسدين والفاشلين واللزجين والمتزلفين، ونتائجها بالتأكيد خاطئة وفاشلة وفاسدة، مما يصنع منكم أمام مجتمعكم وشعبكم ألد الخصوم لـ(الأفكار والدين والدولة). أما مراعاتكم لسياقات الحقيقة وقول الحقيقة ولو على أنفسكم، فإن ذلك يمنحكم النتائج الصحيحة والسوية، وتفهم الأمور وفقاً لما يجب أن تفهم على أساسه، وتصنع منكم أمام مجتمعكم وشعبكم أصدق الأصدقاء لـ(الأفكار والدين والدولة والمجتمع)؛ لأننا بصراحة، وهذه هي الحقيقة، لا نريد أن يمر التاريخ من دون احترام صمودكم وتقدير ثباتكم وتقديس تضحياتكم وحفظ بطولاتكم وتثمين مواقفكم.
* نقلا عن : لا ميديا