الانهيار المتسارع للمؤسسات الحكومية في لبنان ألقى بظلاله على العملية التعليمية، لتتقلص نسبة الطلاب الذين يتلقون تعليمهم في المدارس الحكومية إلى نسبة 35 بالمائة فقط، فيما يتلقى 65 بالمائة من الطلاب تعليمهم في مدارس خاصة، بحسب التقارير الرسمية، مع لزوم الإشارة إلى الكلفة الباهظة التي تفرضها المدارس الخاصة على الطلاب، والتي تصل إلى مبالغ خيالية وبالدولار في ظل الأزمات الاقتصادية المتتالية على لبنان.
كعادته حزب الله وهذا من أولويات أهدافه، ألا يترك اللبنانيين يواجهون بمفردهم طمع المستثمرين في المدارس الأهلية، حيث بدأت خطوته الأولى في العام 1993 عندما أعلن عن تأسيس المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم، والتي دشنت عملها، بافتتاح أربعة صروحٍ تربوية داخل الأراضي اللبنانية، في بيروت والمنطقة الشرقية والمجادل، وخارج لبنان في مدينة قم الإيرانية، وأطلقت عليها اسم مدارس المهدي.
في العام 1994، تم افتتاح مدارس المهدي في كفرفيلا والبزّاليّة، ثم في الغازيّة وعين المزراب وشمسطار في العام 1995، وفي بيروت (بئر حسن) في العام 1997، وفي صور في العام 2000، وفي النّبي شيث في العام 2001، وفي بنت جبيل في العام 2003، وفي بيروت (شاهد) وبعلبك في العام 2004.
ونتيجة التوسع ونمو الجهاز العامل في الإدارة العامة للمؤسسة، تم تحديث المبنى المدرسي في الأوزاعي وإعادة تأهيله بما يتناسب مع حاجات المديريات المركزية والدور الحساس والمؤثر لها في رفد العمل المدرسي ورفع مستواه، حيث انتقلت الإدارة العامة إليه في ربيع عام 2007، وفي إطار خطة تطوير المباني المدرسية وتحديثها، وتلبية لاحتياجات المجتمع المتزايدة في الضاحية الجنوبية أنشئت ثانوية المهدي الحدث في العام 2009 وانتقلت مدارس المهدي بئر حسن إليها، بعدها انضمت مدرسة المهدي مشغرة في العام 2012، ومدرستا المهدي الأحمدية والقطراني في العام 2014، إلا أن الأخيرة أغلقت لاحقاً.
وسعياً لتطوير هذه التجربة، جرى تأسيس روضة المهدي النموذجية في طريق المطار في العام 2018، والتي تختص في تقديم تجربة نموذجية في تعليم الروضات وفقا لأرقى المعايير التربوية، احتلّت هذه المدارس موقعها المرموق في الساحة التربوية ونالت ثقة أولياء الأمور فضاقت رحابها عن استيعاب الطلاب الراغبين بالانتساب إليها، مما حمل حزب الله مسؤوليات جديدة دفعته لتوسيع المباني القديمة وإضافة أقسام وأجنحة إليها واستحداث مدارس جديدة حيث تسمح له الإمكانات وتتوفر المستلزمات.
ونتيجة للإقبال الكبير، والنجاح والتقدم الهائل الذي راكمته المؤسسة على مدى سنوات، والتجربة الرائدة التي قدمتها للمجتمع التربوي في لبنان، انضمت في العام 2022، خمس مدارس جديدة إلى أسرة مدارس المهدي، وهي ثانوية المهدي الكفاءات، ثانوية المهدي في زقاق البلاط، مدرسة المهدي في راشكيدا، مدرسة المهدي في المعيصرة، ومدرسة المهدي في الدوير.
اليوم وبعد ثلاثين عاماً يبلغ عدد صروح مدارس المهدي اثنين وعشرين صرحاً، تتوزع في محافظات جبل لبنان، بيروت، الجنوب، النبطية، البقاع، بعلبك الهرمل والشمال، بالإضافة إلى مدينة قم الإيرانية التي تحتضن أبناء الجالية اللبنانية.
هذا المشروع يحظى بالرعاية المباشرة من الأمين العام لحزب الله الذي تحدث خلال الاحتفال الذي أقامته المؤسسة بمناسبة عيدها السنوي قبل أشهر قليلة، مشيداً بالتطور الكبير الذي شهدته المؤسسة، على المستوى الكمي أي عدد المدارس والطلاب وعلى المستوى النوعي وتطوير المناهج والتعاون الخارجي والانفتاح على المدارس الأخرى.
ووعد الأمين العام بدعم المؤسسة ليس فقط للحفاظ عليها، بل لتطويرها وتوسعة ميدان عملها على كل صعيد، محذراً من أن الإدارة الأمريكية تعمل على نقل الثقافة الغربية الشيطانية إلى المناهج التعليمية، وأن وظيفة المعلم والمعلمة والمؤسسة التربوية ينبغي ألا تبقى فقط مهنة، بل يجب أن يضاف إليها روح رسالية وإنسانية.
أكثر ما لفت انتباهي في تجربة مدارس المهدي هي الأنشطة التثقيفية المستمرة للأجيال الناشئة والبرامج الإثرائية والأندية الصيفية التي تختار فيها المؤسسة الطلاب ذوي القدرات المعرفية العالية وتدعمهم في مجالات اهتماماتهم وإبداعاتهم، والمنهج التعليمي الثري بالعلوم والمعارف وتعدد اللغات، ولأن القانون اللبناني يسمح للمدارس الخاصة باختيار مناهجها بعد الموافقة عليها من وزارة التربية والتعليم، وتشترك جميع المدارس الحكومية والأهلية بمناهج موحدة مثل التربية الوطنية والجغرافيا ومواد أخرى، لدى مدارس المهدي مناهج ليست بالسهلة أو البسيطة، ويتخرج منها الطالب بحصيلة علمية يحلم بها خريجو الجامعات، هل يخطر على بالكم أن هذه المدارس تعلم الأطفال صناعة الروبوتات، والذكاء الاصطناعي، كما لا ننسى أن مدارس المهدي إلى جانب المقاعد التي تقدمها مجاناً للفقراء والمحتاجين وأسر الشهداء وأبناء المجاهدين، تقدم أيضاً مقاعد مجانية للطلاب المتفوقين.
مدارس المهدي ليست المشروع التربوي الناجح الوحيد لحزب الله في تجربته الاجتماعية، وإنما هناك العشرات من المؤسسات التربوية والتعليمية التي يرعاها الحزب في كل الأراضي اللبنانية، بالإضافة إلى عدد لا يستهان به من المعاهد الفنية والتقنية والجامعات، التي يديرها الحزب بشكل مباشر عبر مؤسساته أو عبر الدعم والرعاية، وهي بالأساس تنسجم مع الأهداف التربوية والاجتماعية والجهادية المعلنة لحزب الله في بناء الأجيال، وتحافظ على المجتمع من أي خروقات ومخططات أجنبية تستهدف بيئة المقاومة، والمجتمع اللبناني عموماً.
نقلت لكم هذه التجربة الهامة جداً في فصولها الستة لأبرز المؤسسات التي خدمت المجتمع اللبناني بكل دياناته ومذاهبه وطوائفه، وعلى امتداد جغرافيته المتنوعة وغير المتشابهة، لعلنا نستفيد من بعضها في نقل التجربة بما يتناسب مع خصوصيتنا اليمنية، مع الاستعداد الكامل لإثراء أي جهة وطنية تريد التفاصيل الكاملة للتجربة التي ترغب في الاستفادة منها لخدمة المجتمع اليمني والذي يستحق الكثير من الخير والعطاء. والله المستعان.
* نقلا عن : لا ميديا