قضيةُ انقطاع الراتب متفَقٌ على كونها قضيةً هامةً وذاتِ أولويةٍ قُصوى تستلزمُ عدمَ الصمت على استمرارها، لا يكاد يختلفُ اثنان في اليمن على هذه القناعة وهذا الضرر الذي أصاب اليمنيين جميعاً، ولا يمكن لأحدٍ تهوينُ هذا المطلب أَو تداعياته؛ على اعتبار أن استمرارَ توقفها يمس بحياة أكثر من ٢٠ مليون يمني من منتسبي وَعوائل موظفي الدولة.
غير أن الجدلَ الحاصلَ الذي يتم استثمارُه بشكل خبيث من خلال الخلط الحادث بين تصويب أصابع الاتّهام نحو المتسبب القانوني في انقطاعها وبين المسؤول أخلاقياً عن توفيرها، وَالأهمُّ من ذلك تأثيراتُ أجندة ومخطّطات دول تحالف العدوان في استثمارها للجهل وَتضليل الشارع، والغرضُ تنصُّلُها عن الالتزام وَتقليل الضغوط التي تتعرض لها بشأن إطلاق الرواتب.
ليس من المعقَّد أَو الصعب أن توضحَ من المجرم والجاني، إذَا كان من تحدَّثَه مواطنٌ سليم الفطرة يتحلَّى بدرجة لا بأس بها من الوطنية وَالمعرفة والاطلاع، وأنت تعيدُ إلى ذاكرته تفاصيلَ المشهد التفاوضي والسياسي الحادث، بعد أن تحيطَه بصورة مبسطة على مفاهيم أعمدة الدولة الاقتصادية وَعلى منابع موازنتها السنوية العامة، بما فيها بند الرواتب والأجور.
وليس من الحرج أن تقرَّ لهذا المواطن بأن تصويبَ الاتّهام نحو الفاعل الحقيقي، لا يُعفيَ صنعاء من مسؤوليتها الأخلاقية والدينية والوطنية التي توجب عليها توفيرَ الأجور، من خلال انتزاع هذا الحق المسلوب، كما هي مسؤولة عن انتزاع الأرض والقرار والسيادة لكافة التراب الوطني، وعلى هذا المسار أخبر هذا المواطن ما قطعته صنعاءُ عسكريًّا وسياسيًّا من شوط في سياق القيام بهذه المسؤولية.
الحرجُ يكمُنُ في وجوه البعض الذين ينكرون كُـلَّ هذه الحقائق، وهم يوجهون الاتّهامات نحو من تستهويه أنفسهم المريضة، لا إلى من استوفى كُـلّ أدلة وقرائن الاتّهام والإدانة، من قتل شعبهم وحاصره وصادر ثرواته ومزق نسيجه الوطني والمجتمعي.
الحَرَجُ يسكُنُ تلك الوجوهَ التي تُجيدُ لحنَ القول وفنَّ الخطاب باسم الدفاع عن الحقوق، إذَا ما سألتهم عن واجباتهم تجاه شعبهم في سنوات المحنة، وماذا قدموا لهذا الشعب وهذه الأرض من دماء وَجهد، وأين رجالُهم في ثغور المواجهة وَجبهات الدفاع والعمل، وماذا عملوا في سياق تعزيز سُبُلِ المواجهة وَتخفيف المعاناة، ولن تجدَ لكل هذه الأسئلة لديهم من جواب.
ختامًا نقولُ لهم:- كونوا شركاءَ فاعلين في المسؤولية: تحرير الأرض وطرد الغزاة وَاستعادة الثروات، أَو ابتلعوا ألسنتكم والتزموا مخابئكم.. ودعوا الرجالَ يكملوا الطريقَ.