في خِطابِه بمناسبةِ العيد التاسع لثورة الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر، قال السيد عبدالملك الحوثي، كُـلَّ ما يجبُ قولُه، وبعد أن وجّه “التهاني والتبريك إلى شعبنا العزيز، وفي المقدِّمة: لكل الذين أسهموا، وبذلوا الجهد، وقدَّموا التضحيات، ولكل الذين شاركوا وعملوا لتحقيق ذلك الإنجاز التاريخي العظيم عاد إلى الواقع اليمني ما قبل ثورة الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2014م، وكيف كانت الثورة “من أهم نِعم الله على شعبنا، ومن أهم الإنجازات التي وفَّق الله شعبنا لتحقيقها؛ فهي ثورةٌ أنقذت وحرّرت شعبنا من الوصاية، التي كانت معلَنة ومكشوفة”، مذكِّرًا بالسياسات العدائية للولايات المتحدة الأمريكية، في مختلف المجالات، سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا، وعسكريًّا وأمنيًّا.
ومن منظور السيد الحوثي إلى تلك السياسات وما خلّفته في واقع البلد من اختلالات خطيرة، تفاقمت مع انطلاقِ العدوان على البلاد في 26 مارس 2015م، وما ترافق معه من حصار ونهب لمقدرات البلد، ومنع الاستفادة منها في توفير الخدمات وصرف المرتبات لأبناء شعبنا، من هذا المنظور ولج السيد إلى موضوع يكتسب أهميّة كبيرة؛ باعتباره أحدَ الأهداف الأخلاقية للثورات الشعبيّة، وهو محاربة الفساد.
في هذا الموضوع أكّـد القائدُ أن “حجم الاختلالات في الوضع الرسمي يتطلب تغييرًا جذريًّا”، وهذا الأمر ليس بالجديد، لكنه من خلال هذا الخطاب، تضمن بعض التفاصيل الجديدة، متحدثًا عن الأسس والمنطلقات لهذا التغيير: الهُــوِيَّة الإيمَـانية، والقواسم المشتركة، والشراكة الوطنية، واستعادة اللحمة الوطنية، والبناء الحضاري، مُشيراً في ذات الوقت إلى أنها لن تكونَ بدُفعة واحدة، وإنما ستعتمدُ على التغيير بأكثرَ من مرحلةٍ؛ لتوفر أرضيّةً صُلبةً ورؤية صحيحة، ومنطلقًا ثابتًا وسليمًا، وحدّد السيدُ القائد موعدًا لإعلانها، مع مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، التي توافق الـ27 من الجاري.
هذا الجزء هو الجزءُ المعلَنُ من الخطاب، وهو على أهميته، إلا أن المسكوت عنه قد يكون أكثر أهميّة، وعدم ذكره في الخطاب يقول أكثر مما يقوله الإفصاح عنه، ونعني به هنا، مسار التفاوض والذي كانت آخر جولاته في الرياض، ورشحت عنها أجواء إيجابية، وما حمله الوفد الوطني من تفاصيل نقاشاته مع المسؤولين السعوديّين، عبر عنها الرئيس المشاط في خطابه عشية عيد 21 سبتمبر، بأنها “من الناحية النظرية لا شك تعتبر رسائل وتأكيدات إيجابية ونضعها موضع الترحيب المشروط بسرعة العمل على وضعها موضع التنفيذ”.
السيدُ عبدالملك الحوثي، اختار في خطابه بمناسبة تدشين فعاليات ذكرى المولد النبوي الشريف، عدم الإشارة من قريب ولا من بعيد للمفاوضات، وكذلك فعل اليوم، وتفسير ذلك على الأرجح، يختزل في حديث السيد عن الأولويات، وأنه “من الطبيعي أن تكون الأولوية الأولى والكبرى هي التصدي للعدوان؛ إذ هي أولويةٌ بكل الاعتبارات: الإنسانيَّة، والأخلاقية، والدينية، والوطنية، ولا تزال أولوية، حتى يتم إنهاء العدوان والحصار والاحتلال”.
عندما نأخُذُ بعين الاعتبار هذه الأولوية، ومنها جانبُ عدم ذكر المفاوضات، فَــإنَّ النتيجة هي أن التعويل عند القيادة بالدرجة الأولى لم يكن على المفاوضات، لا سِـيَّـما مع المماطلة والتسويف السعوديّ، وأن الاعتمادَ بعد الله، هو على القوة العسكرية، لطرد المحتلّ، وتحرير الأرض واستعادة الحقوق، طالت المرحلة أَو قصرت، وأن المساراتِ السياسيةَ هي لإلقاء الحُجَّـة، وإلزامِ الخصم: فإما تسفر عن مكاسبَ على صعيد الحقوق الإنسانية للشعب، وإلا فَــإنَّ الاستعانة بالله أولاً وأخيراً، للتثبيت والنصر والعون.
السكوتُ إذنْ هو عودةٌ للتحذير الذي أطلقه السيد عبدالملك الحوثي، من خلال معادلة نيوم والاستثمارات الاقتصادية السعوديّة مقابل رفع المعاناة عن شعبنا، وتمكينه من ثرواته واستغلالها.
السكوتُ، هو لإتاحةِ المجال ليأخذ السعوديّ الرسالة الواضحة من العرض العسكري الذي سبق الخطابَ ببضع ساعات، ويعيد حساباته، بعدَ ما رأى من الاستعدادات العسكرية، وحجم التطور والقدرات، والأسلحة الجديدة التي تسلّمها الجيش من دائرة التصنيع العسكري، من الصواريخ البالستية والمجنحة والطائرات المسيَّرة، وقدرات الدفاع الجوي، والأسلحة البحرية، وقبلها وبعدها سلاح الإيمَـان، والتوكل على الله، فهو وحده الناصر والمعين.
هنا يجبُ على السعوديّة أن تتوقَّفَ مليًا، وتستذكرَ ضربةَ بقيق وخريص، وحرائق أرامكو جدة، وعليها أن تدركَ أن مشاريعَها لن يُكتَبَ لها النجاحُ إلَّا بعد تحقيق السلام في اليمن، ويبدو أنها تدركُ هذا جيِّدًا، وما قاله الأمينُ العام لمجلس التعاون الخليجي، من أنه: “لا يمكنُ أن يسودَ الأمن في المنطقة، إلَّا إذَا توفر الأمن في اليمن” إلَّا دليلٌ على هذه القناعة، فلتكن كذلك، وسنرى أكثرَ مما نسمع.