مضت سنوات كثيرة وَنحن نقيم المناسبات احتفالًا بذكرى المولد النبوي الشريف وسط نقاشات كبيرة من حَيثُ البدعة وَجواز إقامة هذا الاحتفال، حتى صار سبب المناسبة مغيباً عن الكثيرين وَغاب شخص النبي في سيل المجادلات، ولم يعِ البعض أن الهدف الأسمى لهذه المناسبة أن نحييَ في نفوسنا أهمَّ قُدوة نقتدي ونتأسى بها، في زمنٍ انحطت فيه القدوات وجلبت لنا من بلاد الغرب، فصار الشباب يقتدون بالرياضيين وَمبتكري مواقع التواصل الاجتماعي وَغيرهم الكثير من القدوات الهابطة المفرغة من الكمال، الذي لا يمكن أن نجدهُ إلا في شخص الرسول الكريم، والذي بالتأسي به وَبالسير على سيرته نتمنى أن نكون قد مثلناه في حياتنا وبين أجيالنا، تلك الأجيال التي بكى شوقاً لها ولرفقتها، ولكن نجد هذا الجيل في معركة الجاهلية الأُخرى، فإما أن ينتصر فيها باقتدَائه بالنبي الكريم أَو بأن يخسر المعركة في قدوات مزرية انتشرت بيننا اليوم، حتى أنهم وصل بهم الحال بأن تكون الحيوانات قُدوة لحياتهم وسلوكهم، متناسين بأن الله قد كرمهم بالعقل وَكملهم فجعل خلقهم في أحسن تقويم وخلقهم في انتهاج القدوات من آل البيت الكرام.
بعض الناس اختلطت عليه الأمور للأسف وَفهمها على أنها وطنية فيقوم برفع علم اليمن، ولكن نحن لا نقيم مناسبة وطنية، هذه المناسبة ليست مناسبة قومية أَو أممية إنما هي مناسبة كونية يحتفي بها أهل السماوات وَالأرض على مدى العصور، فهي يوم ولادة النور لهذه الأرض، وولادة الخير العظيم للبشرية كافة.
إن مناسبة إحيَـاء ذكرى المولد النبوي الشريف مناسبة أكبر وأعمق من الوطن نفسه؛ لأَنَّها تشمل في إحيَـائها بذكرى مولد النور والهداية ومولد الإسلام وَمولد الإنسان الجديد، بعيدًا عن الضلال الذي كان يعيشه ونهاية الجهل وَالظلم والضلال، تعني مولد الأوطان وَالحياة فيها بعدل وَمحبة وسلام، إذن فهي مناسبة جليلة قلبت كيان البشرية في جاهليتها الأولى.
باحتفائنا به اليوم نكون أَيْـضاً نعيش واقعه فينا وَنحيي نهجه، الذي سيحارب جاهلية اليوم الأشد والأنكى.
واليوم نجد الحال أصبح غير الحال، فقد أصبح الجميع يقوم بزينة المولد من تلقاء نفسه معترفاً بقدومها وفرحاً بإحيائها، باحثاً عن طريق ليعبر عن اقتدَاءه بالنبي، من خلال احتفاء أَو فعالية أَو زينة أَو حتى أن يلبس ملابس بلون أخضر، نجد الكثير يستشعر أهميّة وقداسة وفائدة هذه المناسبة، وأصبح يسابق الربيع في قدومه وَيظهر مظاهر البهجة والسرور، حتى إذَا بدأ شهر ميلاد الرسول الأعظم تكون الأرض قد لبست حلتها وتزينت بسندسها الأخضر حباً وَشوقاً وتأسياً بقدوتها العظيمة النبي الأكرم، الذي صبر على نشر الرسالة حتى بلغه الله الفتح والنصر المبين.
*نقلا عن : المسيرة نيوز