تحرر الأوطان من ربقة الاستعمار ليس طريقاً سهلاً ومفروشاً بالورود، بل هو طريق وعر شاق تعمده الدماء والتضحيات ويسقط في خضمه شهداء.
وأعظم الخسائر التي تمنى بها الأوطان عندما تفرط الأجيال اللاحقة بهذا الاستقلال، وذلك حين تكف إرادة استقلال الآباء عن غرس إرادات تشبهها وتغدو ثقافة مجتمعية قابلة للتناسل.
وكل احتلال بعد إجباره على الرحيل يسعى إلى العودة عبر دهاليز عديدة أو ربط الدولة المستقلة بتبعية اقتصادية تفضي إلى تبعية سياسية وقد تبلغ إلى وصاية على القرار السياسي.
ولقد استغلت دول الهيمنة الدولية «الاستعمار القديم» التخلف الاقتصادي والاجتماعي ومشاكله وصعوباته في الدول المستقلة بهدف العودة من خلالها. وتسللت مرة أخرى من خلال بنوك إقراضها الدولية واستحواذ شركاتها العابرة للقارات على ثروات ومقدرات الدول المستقلة باتفاقيات مجحفة وظالمة، ومن خلالها كبلت وتحكمت بقدرات الدول وأعاقت تطورها، خصوصاً تلك الدول التي تمتلك ثروات، وحققت لبعض الدول رفاها، لكنه مشروط باقتصاد استهلاكي تبعي وليس إنتاجيا مستقلا.
وتعد سيطرة واحتلال قوى الهيمنة الدولية على عقول الناس في الدول التي حققت استقلالها، أفظع أنواع السيطرة وأخطرها، إذ استطاعت من خلالها أن تستفيد من بعض مواطنيها كأداوات تقاتل مع مصالحه، الغزو الفكري والثقافي حول شريحة من الناس في الشعوب المستقلة إلى بنادق للإيجار يخوضون معارك المحتل والمستعمر بالنيابة عنه.
وما يحدث في الجنوب اليوم أحد تجليات سياسات قوى الهيمنة الدولية، والصراع الدائر اليوم صراع إرادات بين فريقين، فريق يسعى إلى إعادة تصحيح المسار وفك التبعية عن قوى الهيمنة وتحقيق استقلال حقيقي، وفريق متواطئ يقاتل بهدف بقاء مشروع التبعية والارتهان واستمراره.
* نقلا عن : لا ميديا