فجأة وبدون أي مقدمات أصبح العالم كله يتحدث عن "كارثية" الوضع الإنساني في اليمن، والكل يتحدث عن ضرورة وقف العمليات العسكرية والحربية، والتوجه نحو الحل السياسي والمفاوضات، للتخفيف على ملايين اليمنيين الذين يتضورون جوعاً بعد أن أنهكتهم الحرب.
ولأننا نعرف حقيقة هذا العالم (المنافق) لم نستطع أن نصدق الإنسانية و"الحنية" التي نزلت فجأة على الإدارة الأمريكية والبريطانية والفرنسية، لأن من يتحدث عن الإنسانية اليوم هو من يقتل اليمنيين ويحاصرهم ويجوعهم منذ 4 أعوام، فكيف يتحول المجرم القاتل إلى إنساني.
السبب الوحيد للمطالبة الأمريكية الفرنسية البريطانية بوقف العدوان على اليمن هو حالة التخبط الذي تعيشه المملكة السعودية بعد فشلها الكبير في اليمن، والخازوق (الخاشقجي) الذي يقعد عليه (المصروع) محمد بن سلمان، وهذا هو ما دفع الغرب للتحجج بالجانب الإنساني لإيجاد مخرج لولي العهد الذي يعيش الربع الساعة الأخير، وهذا بدا واضحاً في الموقف الأمريكي الذي دعا إلى ضرورة وقف الحرب بسرعة، وبدء مفاوضات في نوفمبر الحالي بين من سماهم أطراف الصراع المستمر منذ سنوات.
فقد قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن الوقت قد حان لوقف الأعمال القتالية في اليمن، داعياً التحالف السعودي الإماراتي إلى وقف ضرباته الجوية في المناطق المأهولة بالسكان، على أن يوقف الجانب اليمني في المقابل تنفيذ ضربات صاروخية تستهدف السعودية والإمارات.
تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جاءت بعد يوم واحد من تصريحات مشابهة لوزير الدفاع جيمس ماتيس خلال جلسة نقاشية في المعهد الأمريكي للسلام بواشنطن، قال فيها إن على جميع الأطراف المنخرطة في الصراع باليمن أن تجلس إلى طاولة التفاوض خلال الـ30 يوماً المقبلة، وأن ذلك يجب أن يكون على أساس وقف إطلاق النار، وانسحاب الجانب اليمني من الحدود، ثم يتوقف القصف الجوي، في إشارة إلى غارات العدوان السعودي الإماراتي.
هذه التصريحات جاءت في سياق حملة غربية منظمة لإخراج السعودية من ورطتها في اليمن، عقب الضغوط المتزايدة على الرياض بعد تورطها بقتل خاشقجي. وفي هذا الإطار عبرت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورانس بارلي، عن استنكارها لهذه الحرب، التي قالت إنها أدت إلى أزمة إنسانية لم يُر لها مثيل، وأن الوقت حان لتتوقف هذه الحرب، والأولوية بالنسبة لفرنسا أن يتحسن الوضع الإنساني وأن يتم تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية.
صدقناكم يا أصحاب الإنسانية المتأخرة! ما أجبركم على الذهاب باتجاه إنزال "الحمار" من أعلى الشجرة هو حالة الضعف والوهن الذي وصلت إليه المملكة بعد 4 أعوام من الهزائم على يد أبطال الجيش اليمني واللجان الشعبية، وبعد الملف الكبير للانتهاكات والتجاوزات لحقوق الإنسان من خلال استهداف المدنيين بالأسلحة التي تشتريها السعودية والإمارات من واشنطن ولندن وباريس، والمساءلة عن الجرائم المرتكبة في اليمن لن يتحملها النظام السعودي منفرداً، فثمة تحالف يعرفه العالم أجمع، وشركاء القتل اليومي في اليمن كلهم مطلوبون للعدالة الدولية، لاسيما بعد المتغيرات التي تشهدها المنطقة.