الأشواك اليمنية المتتابعة في حلق العدو ، تعد -مجتمعة- حتى الساعة هزيمة شاملة أسقطت إستراتيجية ( نحن قدرٌ لا يُرد ) التي كرسها واشتغل عليها المستعمر في السياسة والعسكر والثقافة .. إلخ منذ أيام الجلاء.
إن الذي أنجزه –وما يزال- يمن الأنصار والجهاد هو أول هزيمة حقيقية تلحق بعدو الأمة ومنظومته برمتها -من خونة العرب إلى الأمريكي والغربي و الصهيوني- كيف ولماذا ؟
هذا ما نجيب عليه من خلال تقديم عملية “نصرٌ من الله” أنموذجا للمعركة الشاملة ونبدأ بالشق الثاني من الخلاصة أعلاه …
لمن لا يتذكر؛ فقد اندلعت هذه المعركة الكبرى في أعقاب الفرار المذل للمارنز الأمريكي من صنعاء و العند في مرحلته الثانية التي تزامنت مع آخر مراحل انهيار أدوات الأجنبي بداية من ( مليشيات هادي , الإخوان, بقايا الأحزاب العميلة ,القاعدة وداعش ).
ومنذ إعلان بدء حرب المتحالفين على اليمن 26 مارس 2015م مثّل الحضور الأمريكي مساحة كبيرة وجزءاً أساسياً في عاصفة الحزم بتعبير ومواقف قادته، عسكريين وسياسيين, الذين أعلنوا غير مرة أن إليهم الدور المعلوماتي والدور اللوجستي في تنفيذ العمليات المباشرة والعقل الأساسي في التخطيط والقيادة، غير ذلك ما أعلنه متحدث باسم (البنتاغون) في ديسمبر 2017م عن انخراط قوات عسكرية أمريكية في ما وصفه بحماية حدود السعودية مع اليمن ، ما يعني أن دور واشنطن في العدوان توسع إلى الاشتباك في الحرب على الأرض وقد تم الكشف لاحقا عن هذه القوات من “القبعات الخضراء” ..
صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نقلت عن مسؤولين ودبلوماسيين أوروبيين(أن القوات الأمريكية الخاصة تنفذ مهامها بمعية محللين استخباراتيين أمريكيين أيضا يتمركزون في نجران) وهنا مربط الفرس, فأن تقع العملية في منطقة تخضع فيها عمليات العدوان لإدارة أميركية مباشرة، فهذا يحمل أكثر من دلالة دامغة تؤكد أن الحاصل ليس حالة من فشل النظام السعودي عن توفير الغطاء الكافي لثبات جيشه في المواجهات البرية ، بل إلى فشل في كل منظومة العدوان من العناصر إلى السلاح إلى الخطط العسكرية وغرف القيادة والسيطرة وإدارة العمليات.
فشل جاء بعد خمس سنوات من العدوان بعتاد هو الأحدث وتقنيات متطورة وقوات نخبوية بوصف العدو والته الدعائية. ذلك لم يسجل فارقا حقيقيا في ميدان الاشتباك.. ومن هنا يمكن تقديمه كالنموذج الأسوأ لإدارة المعارك الفاشلة في التاريخ بمعنى أن الفشل ليس حصرياً لمجموعة القبعات الخضراء بل يتجاوز التكتيكات إلى فكرة العدوان ذاتها, أما لماذا فيكفي معرفة أن ثنائية الدور الأمريكي المعلوماتي واللوجستي كليهما يساويان ربع المعركة بتقدير السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي القائد العسكري المحنك كما جاء ذلك في خطابه عشية الذكرى الثالثة ليوم الصمود الوطني.
وهكذا فالعملية أثبتت توازنا أكثر رعباً مع منظومة العدو الشاملة, ولا مبالغة في القول أن قوى العدوان مجتمعة تعيش تحت ضغط القلق العالي ليس لأنها تجرعت هزيمة مذلة في منظومتها الكاملة فقط بل لأنها لا تدري ولن تعلم بتاتا هل عملية “نصرٌ من الله” تأتي في سياق قرار القيادة اليمنية بإسقاط نجران .. ! أو أن سقفها وضع حدّا لحزام الأمر الواقع الذي أنشأه العدو شمال شرق صعدة وبالتالي غرضها تحصين المحافظة بما تحمله من رمزية كبيرة من أي خطر إستراتيجي كان يمكن أن يتشكل فيما لو امتد خرق العدو إلى ما بعد وادي آل أبو جبارة ..
وفي حال كانت العملية في سياق الافتراض الأول فيمكن عدها وبشكل قاطع تمهيداً لقلب المعادلة على غالبية محاور القتال في الحد الشمالي, وانتقال اليمن من خطوط الانتشار الدفاعي إلى الهجومي وهو انتقال إلى زمن المفاجآت اليمنية في الهجوم وليس في الصمود والدفاع المستميت الذي لقن فيه اليمنيون العدو تجارب ودروسا عسكرية وصفها السيد حسن نصر الله في ذات خطاب له بالمعجزة.
أما في حال أمسكنا عنصرا آخر من منظومة العدوان كالصهيوني الغاصب ذراع الاستعمار في المنطقة ووضعناه تحت لفح شواظ عملية “نصرٌ من الله” وما غرزته من غصص الهزيمة المدوية والكاملة في محور نجران فنالته من خلال احترافيتها في امتدادات التمكن والمهارة والفاعلية المخيفة في خريطة المواجهة سواء من تكتيك وسرعة واشتباك وانتشار وانسجام وخبرة في حسم ملحمي تم بلمح البصر ، فهذا يمتد بالطبع للكيان الصهيوني الذي هو الآخر لم يُخفِ تأييده ومشاركته في العدوان على اليمن بل وباشر عبر الإمارات اختراق البلاد من خلال ما يسمى قوات النخبة ..
فلم يكن القزم الإماراتي العميل هو من اصطنع هذه الذراع القذرة واستقطب قوامها بقدر ما اقتصر على التمويل وتصدر المشهد فيما خيوط المخطط الأخطر تجتمع نهاياتها لدى الكيان الصهيوني بما يشمل أيضا إفريقيا وتأسيسه لمثل هذه الأدوات وبذات الاسم ( قوات النخبة ) كما هو مشهور عند المتابعين للأدبيات العسكرية الإسرائيلية.
في عملية “نصرٌ من الله” تلقى الهزيمة مجاميع كبيرة مما يسميه الغزاة قوات النخبة ما يعني أن مفاعيل الهزيمة امتدت إلى هذا الكيان ومخططاته وخطوطه وتدريباته وخبراته وخبرائه.
أما الرسالة التي تبعثها العملية التي حررت منطقة مساحتها ضعف مساحة مدينة غزة فتبدأ من هنا ..
هذه المفارقة كافية لعكوف الصهاينة القلقين بدراسة ومعرفة ماذا يعني أن ينتظم الأنصار بشكل مباشر ضمن تشكيلات وجسم المقاومة في فلسطين ولبنان؟ في أي مواجهة قادمة وأي إضافة مدوية وفاعلة سيشكل اليمن؟ وما التحديات التي سيجدها الصهيوني أمامه إذا علمنا أن هذا الافتراض قائم على وعيد صريح وجهه السيد القائد لكيان العدو في خطاب يوليو 2017 بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة بوعيده الأشهر :”على إسرائيل أن تحسب حساب شعبنا اليمني في أي معركة قادمة تخوضها ضد شعبنا الفلسطيني أو اللبناني”
وخصوصا أن السيد في التفصيل أشار إلى حضور يمني مباشر في مسرح أي معركة قادمة وليس بغير ذلك وهو بالطبع متاح أيضا فالقدرات البحرية اليمنية ليمن ما بعد 21 أيلول 2014 قادرة على بلوغ كيان العدو الصهيوني ناهيك عن القدرات الأخرى …
أما لأمتنا فعملية “نصرٌ من الله” بما حررته من مساحة و كسرته من عتاد عسكري ضخم على الأرض وتجاوز أبطالها من غطاء جوي غير مسبوق (600 غارة جوية ) وبما أفشلته من استراتيجية ما يوصف بأعرق العبقريات العسكرية في العالم ( الأمريكي و الغربي والصهيوني) ..وبالحماسة الدافقة لأبطالها تستعيد للأمة الثقة بالقدرة على المواجهة والانتصار وإثبات الذات وهزيمة مشروع الإلحاق بالطاغوت اليهودي الذي ينخر في الأمة لأن العملية بمشاهدها وتكتيكاتها تستولد في الأمة الإرادة الكامنة وتنفض ركامات اليأس والانهزامية و تستنبت فيها القوة ..
العملية هي تعبير أو نموذج لمعركة اليمن وجهاده العظيم في خمس سنوات وشاهد رائع للأمة كيف يمكن أن تذل من يفرض نفسه عليها قدرا محتوما ، كيف يمكن إسقاط ما تقرّره واشنطن وخونة العرب على البلدان والشعوب .. وكيف يمكن صناعة المعادلات الكبيرة التي تعيد الاعتبار للأمة لهويتها لرسالتها لغاية وجودها وكيف بالإمكان إعجاز العدو عن مجرد التلويح فقط بوصفاته أيا كانت..
وإشعاع العملية يمتد ليملأ محور المقاومة والجهاد بخلاصة التجربة المتوهجة بدماء الشهداء وبحقيقة أن لا شيء أعظم تأثيراً من معية الله ومن حكمة القيادة والإرادة والدماء و الصمود؛ وما النصر إلا من عند الله.