أتذكر أنه في العام الثاني أو الثالث من العدوان على اليمن أن الناطق باسم أنصار الله محمد عبدالسلام قال إن هذه الحرب لن تحسم بالضربة القاضية ولكن ستحسم لصالح اليمن بجموع النقاط، وقد كان هذا التوقع راسخاً لدى معظم اليمنيين سواء من حيث ثقتهم بأن النصر حليفهم لعدالة قضيتهم ولمظلوميتهم. تلك الثقة لم تأبه لفارق الإمكانات بين اليمن وتحالف العدوان بل ان محاولة وضع مقارنة يعد تفكيراً خاطئاً لأن المقارنات تجري بين طرفين متقاربين لحسم الأفضلية فيما لا إمكانية للمقارنة في حال اليمن بمواجهة العدوان.
لم يكن في وارد اليمنيين أنهم سيحسمون الحرب بالضربة القاضية لاعتبارات فارق الإمكانات ولأن حروب العصر الحديث لم تعد تحسم بهذه الطريقة حتى لصالح الطرف الأقوى، وبالتالي كان تفكير اليمنيين انطلاقاً من عدالة قضيتهم بأن الصمود سيحسم الحرب لصالحهم تفكيراً منطقياً، غير أن اليمن الذي صنع المعجزات خلال الخمس سنوات من عمر العدوان والذي فأجا العالم بصموده وثباته لم يتوقع أن يذهل نفسه ويذهل العالم معه ويتمكن من خارج التوقعات والمنطق أن يحسم الحرب بالضربة القاضية، وقد فعل.
نعم رغم استمرار الحرب إلى حد اللحظة إلا أنه وبمقارنة ما تراكم من انتصارات قبل عملية ضرب أرامكو وعملية نصر من الله وبعدها والتحولات قبل وبعد هاتين العمليتين يمكن القول فعلا أن اليمن حسم الحرب بالضربة القاضية وصنع معجزة المعجزات، فضربة أرامكو كانوا بمثابة ضربة قاصمة لقلب وعقل النظام السعودي ومصدر المال الذي طوّع الغرب لصالح النظام السعودي فيما كانت عملية نصر من الله بمثابة رصاصة الرحمة لهيبة ومكانة النظام السعودي في المنطقة والعالم وتتويجاً لسلسلة الاهانات العسكرية التي تلقاها منذ بدء حربه على اليمن.
أنا أتفهم حرص أنصار الله على عدم بث أخبار في اتجاه ان النصر قد تحقق خوفاً من ارتخاء القوات في الجبهات ومنح النظام السعودي فرصة للانقضاض واستعادة جزء من هيبته خصوصاً أن للنظام السعودي باع في استغلال الفرص ونقض المواثيق واستغلال المفاوضات كما حدث في مفاوضات جنيف والكويت عندما حدث التقدم في الجوف وقبل ذلك في الجنوب.
غير أن استراتيجية إعلام حكومة صنعاء وأنصار الله الهادفة لإبقاء حالة الاستعداد والجهوزية تجعل مدى الحرب لانهائي وهذا أيضاً له مساوئه لأنه إلى حد ما يهمش تأثير الانتصارات والصمود وبالتالي يؤثر على معنويات الشعب، فيما الواقع أن لكل حرب نهاية وكذلك لكل جهد نتيجة وقد اجتهد الشعب اليمني بشكل لا ينافسه أي شعب في العالم.
بعد عمليات أرامكو ونصر من الله لم يعد أحد في العالم لم يلمس ويؤمن أن اليمنيين قد أكدوا جدارتهم التاريخية في دفن الغزاة ولم يعد أحد في العالم لم يشهد ويقر بهزيمة السعودية بمن فيهم السعوديين أنفسهم، وإلا من كان يتصور أن يخرج محمد بن سلمان ليعلن ترحيبه بمبادرة رئيس المجلس السياسي الأعلى المتعلقة بوقف الهجمات على السعودية مقابل وقف الغارات تمهيداً للحل السياسي، فمن خبر وعرف عنجهية وغرور النظام السعودي وسلوكه خلال العدوان يدرك أن الضربات اليمنية قد أنزلته رغماً عنه من على الشجرة ويتخلى عن غروره أما خداعه فهذه سمة من سمات تكوينه لا يمكن تغييرها ولكن يمكن إجباره على التوقف عنها.
نعم الحرب ما تزال مستمرة ولكني على يقين أن ضربة أرامكو وعملية نصر من الله قد وضعتها مسبقاً نهاية هذه الحرب وستظلان من أهم الاحداث التي شهدها العالم في القرن الواحد والعشرين.
* رئيس تحرير صحيفة المراسل