يعد التوقيع على خطة مفصلة لإتمام أول عملية تبادل واسعة النطاق للأسرى منذ بداية العدوان وبرعاية الأمم المتحدة، يعد تقدما لافتا في هذا الملف الذي طالما رفضت قوى العدوان حلحلته وتنفيذ أي خطوة متعلقة به، فما الذي سرع الإعلان عن تبادل القوائم والإعداد لعملية التبادل المقبلة وما المتغيرات التي عكست نفسها على ملف الأسرى، ثم ماهي الدلالات التي يؤكدها توقيع الاتفاق وماذا يعني أن تأخذ قوى العدوان الإقليمية مقعدها على طاولة اجتماع الأردن..
نقاط التحول …
مر ملف الأسرى بمراحل عدة ومعقدة كانت قوى العدوان خلالها تتوزع أدوار إجهاض كل ما يتم الاتفاق بشأنه وتضغط على أدواتها للمماطلة والتلكؤ، بيد أن التعطيل السعودي الإماراتي لم تكن هي عقدة ملف الأسرى الوحيدة، فقد تزامن ذلك أيضا باضطلاع الأمم المتحدة بتدوير الزوايا وتكرار الوعود ولعب دور لا إنساني في ملف إنساني محض، غير أن ذلك تغير بشكل كبير قبيل أيام قليلة..
ولا شك أن أمور عدة قد سرعت من التوقيع على اتفاق الأردن أهمها: وضع قيادة الثورة للملف على رأس أولوياتها وبحثها في كل اللقاءات مع المبعوث الدولي لليمن كما هو الحال مع رئيس الوفد الوطني المفاوض واللجنة الوطنية للشؤون الأسرى التي لم تتوقف جهودها ومنذ تشكيلها لحلحلة الملف ونجاحها في عقد صفقات تبادل عبر وساطات محلية ومتابعتها تنفيذ اتفاق السويد حتى توجت جهودها أخيرا بتوقيع ما وصفتها الأمم المتحدة بعملية تبادل واسعة النطاق للأسرى …
على الأرض وفي خطوط النار والاشتباك أمسك الجيش واللجان زمام المبادرة وخلقوا متغيرات دراماتيكية على الشريط الحدودي وفي خطوط الجبهات الداخلية {من نجران إلى جيزان وصولا إلى غربي مأرب وتخوم حزم الجوف}.. في مقابل عجز لقوى العدوان مجتمعة عن فرملة وثبة الجيش واللجان حتى مع خرقها مبادرة وقف الغارات مقابل وقف العمليات الصاروخية والجوية اليمنية فشلت فشلا ذريعا وتعرضت لإذلال قاس، لينخفض سقف الطموح السعودي وتعود الرياض إلى خطوط الدفاع عسكريا وسياسيا وعليه فقد حدثت متغيرات الميدان خرائط التموضع والسيطرة وكرّست متغيرات واقعاً جديداً وصولا إلى عكس نفسها وبشكل كبير وفاعل على ملف الأسرى والقفز به من دائرة مبادرات حسن النوايا المتبادلة التي حصلت في الفترة الماضية وأطلق خلالها عدد من أسرى السعودية ولا شك أن إطلاقهم قد غير المقاربة السعودية لملف الأسرى وطار بممثليها إلى الأردن …
وخلال جلسات التفاوض جاء إنجاز الدفاعات الجوية اليمنية وإسقاطها طائرة تورنيدو مع جهل قوى العدوان بمصير طاقم المقاتلة البريطانية ليلقي بظلالها على التفاوض ويزيد من منسوب الرضوخ السعودي، ومع تكامل كل هذه المتغيرات بشكل أو بآخر تم الإعلان عما يمكن تسميته باتفاق عمان أو الأردن..
تساؤل مشروع..
ثمة أمر يجب التوقف عنده وهو مروحة الأهداف التي تضعها السعودية لعملية تبادل الاسرى واسعة النطاق التي ستشمل إطلاق أسرى من جنودها ومرتزقتها من السودان.. المهم في هذا السياق هو معرفة هل تسعى السعودية من إبرام الصفقة سحب ورقة الضغط هذه من القوى الوطنية بحسب مصدر مطلع فذلك أمر بحكم المستحيل إذ أن من سيتم الإفراج عنهم من أسرى السعودية عدد قليل جدا من قائمة كبيرة وبالتالي ستظل السعودية والإمارات كما يقول المصدر تحت الضغط وبشكل كبير لناحية
جهل السعودية الكامل بعدد من وقعوا في قبضة الجيش واللجان ومصير البعض بما فيهم طاقم تورنيدو التي جرى إسقاطها في الجوف قبيل الاعلان عن اتفاق الأسرى الجديد.. فضلا عن كون الجيش واللجان يضعون نصب أعينهم الحسابات السعودية ويدركون مكمن الوجع بالنسبة للرياض وأبو ظبي أيضا، بل أن وحدات من القوات المسلحة قد نفذت عمليات نوعية حرصت خلالها على إيقاع عناصر الجيش السعودي في الأسر وبغرض امتلاك أوراق تحرير أسرى الجيش واللجان وبالتالي تكون عملية التبادل قد انطوت على كلفة معينة للسعودية وأدواتها وليس العكس وعليه فإن السؤال المشروع عند بحث إقرار عملية التبادل هو هل وافق صاحب القرار في قوى على عملية تبادل الأسرى وهو في وضع مريح في المواجهة؟ أو ما يزال بجعبته الكثير من أوراق المواجهة؟ أو حاله على العكس
من ذلك؟ وذاك ما عرفناه مسبقا وما تتحدث به خارطة المواجهة ونتائجها..
لو لم يكن قد استقر لدى السعودي أن قادم الأيام هو الأسوأ _أو كما يقول قائد الثورة القادم أعظم_ لم يكن المعتوه منبس يرضخ لتبادل الأسرى بل إنه لم يكن يفعل ذلك لو توفر له مجرد احتمالات بتغير هنا أو هناك لمصلحته، وأن تأخذ السعودية مقعدها في مفاوضات الأردن وأن بشكل غير مباشر وأن تحجز نصيبها في قوائم التبادل فهذا يعني تقديرا للتحوّل في المواجهة واعترافا صارخا بالعجز عن صدّه واحتوائه.. بالمناسبة تعلمون أن التقدير السعودي في المحصلة يعني تقديرا أمريكيا وبريطانيا. إلخ وهذه هي الدلالة الأهم التي يؤكدها اتفاق الأردن..