في زمنٍ عُطلت فيه أحكام الله وتشريعاته وآياته، وصلت فيه أمة الإسلام إلى اسوأ المستويات في شتى المجالات وأصبحت تحت أقدام من ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة.
خانعة خاضعة ذليلة يتسابق ملوكها وزعماؤها في خطب ود أعداءها وأيّهم يكون الأكثر ارتهانا وعمالة وخيانةً لله والدين والأوطان، لم يعد هناك عدلٌ يسود ولا قيّمُ دينٍ تحكُم، فكان واقع الأمة الداخلي يعاني من الأزمات والضياع والشتات، فلم تعد _وكأنّها لم تكن يوما_ تلك التي أُنزِلَ فيها قوله تعالى: "كنتم خير أمةٍ أُخرجت للناس....."
لقد باتت في أسفل القائمة وفي مؤخرة دول العالم.
وهي في هذه الحالة من الضعف والهوان، جعلها أكثر اغراءًا لتكالب الأعداء وتوالي المؤامرات والفتن مع ازدياد شدّتها وحدّتها كل يوم من منافقي الداخل وأعداء الخارج، و وسط هذا الظلمات التي بعضها فوق بعض، برزت ثلةٌ من مؤمني الأمة الصادقين صادحين بالحق وبه متسمسكين، وصارخين بأعلى أصواتهم أن القرآن الكريم كتابٌ عملي، ليس لمجرد القراءة وكسب الثواب _وكأنّ ليس له أي علاقة بواقع المسلمين وحياتهم_ كما روج لذلك وعمل لإقناع الأمة به قولا وعملا الفكر الوهابي الدخيل على الإسلام وكل ما ينتمي إليه من دعاة الزيغ والضلال، برزت هذه الثُلة المجاهدة الصابرة المحتسبة وكلها يقين أن ما أصلح أمة الإسلام في أولها هو ما سيصلح به آخرها، متحملة في سبيل ذلك شتّى أنواع الأذى والمؤامرات على مختلف الأصعدة من مختلف أعداء الأمة المتكالبين عليها، وعلى الرغم من ذلك أعادت هذه الفئة التي حملت على عاتقها إنقاذ أمة الإسلام وإخراجها من غياهب التيه وعقود الضياع حدودا عُطلت وتشريعات حُرفت وزُيفت وأحكاما ضُيعت وبدأت شمس الإسلام تلوح في الأفق من جديد وسنا نورها يكاد أن يذهب بأبصار طواغيت الأرض.
ها هي راية الجهاد في سبيل الله ترتفع من جديد، وتعلو معها قيّم الإسلام ومبادئه من رفض الضيم والاعتزاز بالله ودينه والذود عن الدين والأوطان والكرامة، بعد أن كان حرامٌ ذكرها، وبعد أن شوهت وحوربت وتغيرت معانيها السامية.
وفي بلد المدد والأنصار والإيمان والحكمة الذي كان من أعظم وأبرز الرافعين لراية الجهاد والحقّ، بدأ الإسلام يعود إلى واجهة الدنيا بأركانه وشعائره وفرائضه وقدسيته وألقه الوهاجّ، فها هي الزكاة الركن الثاني من أركان الإسلام ودعائمه الأساسية تعود للواجهة لتُأخَذ ممن عليه الحق وتُعطى للمستحقين، بعد عقودٍ من الزمن حُرِم فيها أولئك من أدنى حق، فشاعت المفاسد وانتشرت المظالم وحلّ على الكون ليل أسود قاتم بعد أن كان لم يعد من القرآن إلا رسمه ومن الإسلام إلا اسمه.
وها هي الهيئة العامة للزكاة تواكب انتصارات الأبطال في الجبهات بفتوحات ومشاريع عظيمة في جانب جبي الزكوات وصرفها في مصارفها الثمانية، ماسحة للدمعة وراسمة للبسمة ومعيدةً للأمل في ظل ظروف وأوضاع هي الأسوأ على الساحة العالمية والصعيد اليمني بفعل الحصار والعدوان السعودي الإماراتي الأمريكي وحلفائه باليمن الذي خلّف أكبر أزمة إنسانية شهدها التاريخ المعاصر.
ومع أملها الكبير بالله أن تصل قريبا لجميع المناطق اليمنية، ها هي الهيئة العامة للزكاة تجوب المحافظات اليمنية الحرة طولا وعرضا في الجبال والسهول والوديان واصلةً لكل بيت ولكل فرد أوجب الله له هذا العطاء، بأساليب مختلفة ومشاريع فريدة ومتنوعة لتجعل من توجيهات القيادة الرشيدة أيقونةً لزمن الانتصار والارتقاء وإزالة جميع مظاهر البؤس والشقاء، وفاتحةً لعهد جديد، تكون مُثل الإسلام العليا هي المهيمنة ولها العزة والبقاء.
مئات الملايين تم صرفها في مصارفها المختلفة وبما قدره 24 مليار ريال خلال عام 2019 م في كل بقعة في الوطن الحبيب منذ أن تم تفعيل هيئة الزكاة يطول الحديث عنها، ولعلّ لنا وقفات مع الكثير منها في قادم الأيام بإذن الله.
لكن مما لا شك فيه أننا سندخل في عهد جديد لن يكون للبؤس فيه وجود، طالما وتعليمات الله وتوجيهاته هي زادنا الأمثل ومرشدنا وملاذنا الآمن لمواجهة كل تحديات الكون حتى يعود لأمة الإسلام دورها الرائد في قيادة الأمم لمرافئ الأمن والسلام والعاقبةُ للمتقين.