بات من الضروري جداً الحديث عن التطبيع الثقافي مع الكيان الإسرائيلي بنسختيه العربية والعبرية، لاسيما مع تزايد إشارات التقارب بين السعودية وإسرائيل، وهرولة مزيد من الدول الخليجية والعربية إلى توطيد علاقاتها العلنية مع الكيان الصهيوني، وعند حديثنا عن التطبيع لا بد من الانطلاق من لفظة تطبيع التي جاءت في اللغة على وزن «تفعيل»، وهي عملية مستمرة لتحقيق غاية، والتطبيع نهج وأداء هدفه كسر حاجز العداء مع العدو الصهيوني بأشكال مختلفة، سواء كانت ثقافية أو إعلامية أو سياسية أو اقتصادية أو سياحية أو دينية.
وأياً يكن الشكل أو العنوان فإن فحوى التطبيع مع العدو الصهيوني يبقى واحداً وهو إيصالك إلى قناعة مفادها أن الوجود اليهودي في فلسطين أمر طبيعي، وبالتالي فإن أي عمل أو قول أو صمت أو تقاعس يؤدي إلى التعامل مع الوجود اليهودي في فلسطين كأمر طبيعي يحمل في طياته معنىً تطبيعياً.
وعند الحديث عن الكيان الصهيوني فهو ذاته الحديث عن الكيان السعودي لأن الارتباط بين الكيانين قديم منذ نشأتهما، والعلاقات بينهما هي علاقات بنيوية في أصل بنية النظامين، تبرر السعودية عدوانها على بلادنا كي لا نكون نسخة أخرى من حزب الله على حدودها، لأنها فعلاً هي النسخة الأخرى من «إسرائيل»، ولكن على حدودنا.
قطار التطبيع في اليمن يتخذ مسارين متوازيين، تطبيعاً ثقافياً مباشراً مع الكيان الصهيوني بدأ بدعوة من وزارة الخارجية الإسرائيلية لمثقفين وأكاديميين يمنيين لزيارة الكيان الإسرائيلي، وتم رفض هذه الدعوة باستثناء «مسخ» واحد قبل بها وذهب مع مجموعة من المسوخ العرب في العام 2018، ليلتقطوا الصور التذكارية في الأرض المحتلة، ومر هذا المسار بخطوات أخرى مكثفة من خلال حديث نشطاء يمنيين عن الكيان بمواقع التواصل الاجتماعي وإنكار حالة العداء له، واشتراك فنانين يمنيين في إحياء حفلات غنائية مع فنانين يهود من أصول يمنية كما حدث في إحدى حفلات الزفاف اليمنية بالأردن وصولاً إلى تقارير تلفزيونية تصورها القناة الإسرائيلية من داخل صنعاء في ظل صمت رهيب لكل الجهات المعنية، وظهور يمنيين من موالي العدوان على وسائل الإعلام الصهيوني للحديث عن الوضع في بلادنا.
أما المسار الثاني وهو غير مباشر من خلال عمل وجهد متواصل تقوم به وسائل إعلامية ممولة من دول العدوان تنفذ أعمالها الدرامية والفنية داخل صنعاء ومديرياتها بتسهيلات من وزارتي الإعلام والثقافة بصنعاء، ووصل الأمر بتلك القنوات التي تبرر وتروج لقتل الأبرياء في اليمن وتسيء لثورتنا وقيادتها في كل برامجها، أن توجه كلمات شكر لوزيري الإعلام والثقافة بحكومة الإنقاذ على مساعدتها في إنجاز أعمالها وتسهيل مهمتها، دول العدوان رصدت مبالغ طائلة لشراء الفنانين والممثلين اليمنيين ومنحتهم إقامات في الأردن والقاهرة والرياض وإسطنبول لخدمة أجندتها وبرامجها التطبيعية، وبكل بجاحة اعتلى عدد من الفنانين الذين أحببناهم لفترة من الزمن منصات المسارح السعودية ليقدموا أغانيهم من داخل الرياض التي تسير طائراتها لشن الغارات على أطفال ونساء اليمن، بالإضافة إلى الدعم المخصص لعدد كبير من الفنانين الموجودين في صنعاء وقلوبهم في الرياض، وشاهدت بنفسي قبل عدة أسابيع أحدهم ضيفاً على قناة اليمن المزورة في الرياض للحديث عن دور الفن والأعمال الفنية في مواجهة كورونا، وجمهورنا مع الأسف ينقاد وراء تلك الأعمال ويتابع منفذيها بشغف أيضاً.
المشكلة أننا حتى اللحظة لم نستوعب خطورة اهتمامنا ومتابعتنا لما تقدمه قنوات العدوان من مسلسلات وأعمال فنية بطابع يمني، ولم نقم بأية خطوة باتجاه مقاطعة الفنانين الذين انضموا لجبهات العدوان الثقافية، مع العلم أنهم أخطر من انضمام سياسي أو مسؤول لجبهة العدوان، فالثقافة أمر حساس، والمثقفون هم المعبرون عن ضمير الأمة، لذلك لا بد من تحصين الحياة الثقافية اليمنية ضد التطبيع مع الكيان الصهيوسعودي، والمطلوب الاستمرار في اتجاه أقصى درجات الاحتياط ضد التطبيع وشبهاته لكي نحافظ على إنجازات الأبطال في الجبهات، وعلى صمود الشعب في وجه العدوان.
* نقلا عن : لا ميديا