هطل المطر فانكشف الغطاء، واستطعنا رؤية هشاشتنا التي كنا نظنها حصننا الحصين.
جاء المطر دون أي استعداد لمواجهته، تماماً كما فعل فيروس كورونا حين داهم العالم فجأة، وبقي العالم عاجزاً يتفرج على أنياب هذا الفيروس ومخالبه وهي تحصد الأرواح بشراهة غير معهودة، واكتفى هذا العالم بإحصاء أرواح الضحايا التي تتصدر نشرات الأخبار كل يوم بأرقام مهولة.
لم نتوقع يوماً أن تمتلئ غرف نومنا ومجالسنا بالأواني المعدنية لتجميع القطرات التي اخترقت حتى السقوف الإسمنتية.. ولم يخطر ببالنا أن سقوف المنازل الطينية ستخضرُّ بالعشب كأنها حديقة لكثرة ما سقط عليها من الماء.. ولم يخطر ببال أحد أن تتساقط بيوت على رؤوس ساكنيها في صنعاء القديمة وريمة وذمار وغيرها، وتنجرف السيارات كأنها علب معدنية فارغة وسط هذه السيول. إضافة إلى انهيار الصخور من أعالي الجبال، واقتلاع الكثير من الطرق الإسفلتية التي بدت كأنها مصنوعة من العجين.
أمطارٌ أخذت المزارع والبيوت والحيوانات، والبشر أيضاً.. فكيف ستصمد الخيام والعشش الهشة التي يسكنها أهل تهامة البسطاء والأرق قلوباً والألين أفئدة، مقارنة بمنازلنا الإسمنتية؟.
وقف التهاميون على أطلال خيامهم وعششهم عاجزين، ينظرون إلى إبلهم وأبقارهم وأغنامهم- التي هي كل مصدر رزقهم - وهي تصارع السيول وتنفق في لحظات.. وإلى أشجارهم وثمارهم التي انتظروها طويلاً وهي تختلط بالطين لتأخذها السيول بعيداً عن أعينهم، وتحولت مزارعهم إلى أراضٍ مدكوكة اختلطت كل حدودها، وأصبحت قطعة واحدة من الذهول.
لم تستطع حتى السدود احتواء كل هذه المياه، ففاض منها ما فاض، وانفجر منها ما انفجر، وأخذ كل شيء يقف في طريقه.
رغم أن الضرر كائن في كل محافظات الجمهورية، إلا أن تهامة متضررة أكثر من غيرها، وسكان تهامة قليلو الحيلة ولا يمتلكون شيئاً يطبِّبون به قلوبهم المكلومة.. والشعب اليمني شهمٌ وصاحبُ نجدة، إلى حد أنه يقسم قوت يومه مع من يحتاج إليه.. لكن هذا الشعب ربما يحتاج توجيهاً رسمياً للقيام بهبة شعبية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح وممتلكات، وحشد القوافل الغذائية والدوائية، والتبرعات النقدية لإنقاذ التهاميين الطيبين الذين لا يجرحون حتى التراب الذي يمشون عليه.
* نقلا عن : لا ميديا