قصرُ حبل الكذب حتى يكاد يعجز المرتزقة عن استخدامه. فـي كــل كذبـــة قدر من الحقيقة لإثارة اللبس لدى المتلقي الذي يظن الكذبة حقيقة والباطل حقاً، ولكن حين يتم إلغاء هذا القدر النسبي من الحقيقة ويظهر الخبر كاذباً بشكل كلي فعند هذه النقطة نستطيــع القول بأن حبل الكذب انقطع، وأن استمرار النشاط الإعلامي الكاذب لقوى العدوان يمارس كإسقاط واجــب.
المشكلة الرئيسية ليست في عجز المرتزقة عن الكذب ولا مهنيتهم الإعلامية، بل في كون تطورات الواقع تتناقض مع مصالحهم ومع مسار كذباتهم السابقة والجديدة! والخبر الذي سنتناوله بالتحليل في هذه المادة هو عينة لخطاب إعلام العدوان حيث ترد فيه معظم المفاهيم والافتراضات والمزاعم.
تبادل الأسرى يمثل مرحلة جديدة في الواقع السياسي اليمني والإقليمي والدولي. ونظراً لهذه الأهمية المرتبطة بالحدث وزمنه الفارق فقد رأيت أن من المهم قراءة هذا الخبر وتحليل مضمونة ومعرفة القدر الذي وصلت إليه أزمة تحالف العدوان، وهذا الخبر يُعد عينة بحثية عشوائية من الخطاب الإعلامي المعادي.
السياق التاريخي الذي جاء فيه الخبر
حدثا عودة الأسرى وقدوم السفير الإيراني إلى صنعاء يُمثلان اختراقاً في سقف العملية السياسية المرتبطة بالعدوان على اليمن، ويثُبتان مكاسب سياسية للقوى الوطنية في صنعاء. ورغم أن اتفاقية تبادل الأسرة تعود إلى العام 2018، والاعتراف السياسي الإيراني بسلطة صنعاء وقبولها سفيراً من صنعاء في العام 2019، إلا أن وقوع هذين الحدثين في أواخر العام 2020 وتصرف المرتزقة إزاءه له دلالات عديدة، وفي هذا السياق الهام جاء الخبر.
عنوان الخبر: «أسرى مليشيا الحوثي.. استثمار إعلامي ووقود لمعارك جديدة».
المصدر: موقع العين الإخبارية.
التاريخ: الخميس 2020/10/15.
يتكون الخبر كما ورد من 16 كتلة نصية أو فقرة فيها عدة جمل، بمعدل 40 كلمة في كل فقرة. الفقرات الخمس الأولى تظهر وكأنها مقدمة تحليلية من المواقع، ومن بعدها يبدأ إسناد المضمون إلى طرف آخر هو «مصدر»، «ناشط»، «فلان بن فلان»، «مسؤول»... ومثل هذه الإسنادات يُفترض بها أن تزيد قوة الخبر، وأن تظهر استقلالية بين موقف كاتب الخبر وبين مصادر المعلومات، إلا أن أياً من هذه الأدوات الفنية لم تستطع أن تُضفي على الخبر طابعاً موضوعياً ولم تستطع أن تموه على الفكرة القبلية أو المسبقة لدى الكاتب الذي قرر مسبقاً أن يكتب خبراً كاذباً يهاجم فيه القوى الوطنية اليمنية.
في تحليل المضمون لن أتوقف أمام بُنية النص والخطاب من ناحية التركيب اللغوي والنظم، فالخبر من هذا البُعد هزيل لا يرقى للنشر أو النقد، ولن أقف عند المعايير الفنية الصحفية المدرسية، بل سينصب اهتمامي على مضمون المحتوى، الظاهر والمضمر.
يبدأ الخبر بجملة إنشائية يظهر معها الموقع باعتباره محايداً ومناصراً لقضية «السلام»، متخوفاً على «نافذة الأمل» المحتملة:
الفقرة (1) من الخبر: «في الوقت الذي تفتح عملية تبادل الأسرى نافذة أمل لليمنيين قد تجلب السلام المنتظر، تعمل مليشيا الحوثي الانقلابية على استثمار الحدث بشكل إعلامي تهدف من ورائه لاستخدامه كوقود لمعاركها التي لا تنتهي».
انحياز سياسي لطرف العدوان والمرتزقة
يتراجع الموقع الإخباري عن اتخاذ موقف الحياد من القوى المتحاربة كما ظهر في الفقرة السابق رقم (1)، ويُظهر انحيازه إلى طرف مرتزقة العدوان، ويُحاول أن يُضفي عليهم صبغة «المسالمين»، فيأتي في الفقرة (2) إلى المقارنة بين أسرى الطرفين، فهناك كما يزعم طرف سجد لله شكراً، وهناك طرف هتف بصرخة حربية. لكن هذه المقارنة غير موضوعية، لأن الخبر تجاهل سجدة الشكر التي سجدها الأسرى الواصلون إلى صنعاء (وليست العبرة في السجدة ذاتها بل في اعتبارها معلومة مشهودة تم تجاهلها من قبل الموقع). وهذه المقارنة غير الموضوعية التي لا تستند إلى معلومات حقيقية مستوفاة هي مقارنة باطلة، وأول ضربة لمصداقية الخبر المنشور. فمشهد السجود في صنعاء موثق، ومن يحترم ذاته فإنه حين يشاهد سجدة الأسرى في صنعاء ويقرأ هذا الخبر فلن يعود لمثل هذا الموقع مجدداً، فالناس يدخلون المواقع بحثاً عن الخبر، سواء كان مع توجههم أم ضدهم، ولا يحب أحد في قرارة نفسه أن يتم الكذب عليه.
الفقرة (2): «وخلافا للأسرى الواصلين إلى مناطق الحكومة الشرعية، الذين قاموا بتأدية سجود الشكر في مدرج مطار سيئون فرحا بالحرية التي عانقوها، ظهر الحوثيون وهم يؤدون الصرخة الحوثية في مطار صنعاء، وفقا لما أذاعته وسائل إعلام المليشيا».
هيبة الدولة في صنعاء
يستمر الخطاب الإعلامي في الهجوم على أسرى صنعاء وعلى تصرف السلطة الوطنية وأدائها ويحاول أن يطمس حقيقة ظهور السلطة الوطنية في صنعاء بمظهر الدولة التي ترعى أسراها، عبر احتفال منظم حضرت فيه قيادات الدولة والتشريفات الرئاسية، كل هذه المظاهر التي تعكس حقيقة أن الدولة المؤسسية اليمنية في صنعاء ومناطق إدارتها، يحاول الموقع أن يصرف المتلقي عنها، وهو لذلك يختزلها في جملتي «بهرجة» و»احتفال زائف».
الفقرة (3): «ورغم «بهرجة» الاحتفاء الزائف في الاستقبال، بدأت مليشيا الحوثي بخنق فرحة أهالي الأسرى التابعين لها على الفور، وهي تحرضهم على العودة إلى جبهات القتال، لحظة وصولهم إلى مطار صنعاء الخاضع لسيطرتها».
الأبعاد العسكرية الراهنة لتنفيذ اتفاقية أسرى ستوكهولم 2018
في الفقرة (4) يُثبت الخبر ما يحاول نفيه، فهو يُعيد إلى الأذهان حقيقة أن تنفيذ اتفاق الأسرى هذا العام بعد عامين من توقيعه، إنما جاء بسبب التطورات الميدانية لقوات الجيش واللجان الشعبية في كل من الجوف ومأرب ومدينة الدريهمي.
وضمن هذا السياق في الفقرة (4)، يدس الموقع معلومة كاذبة، وهي الادعاء بأن القوى الوطنية اليمنية من صنعاء هي التي أفشلت صفقات التبادل سابقاً، فيما من المعلوم أن تحالف العدوان هو من أفشل هذه المساعي وقصف الأسرى في ذمار قبل إنجاز عملية تبادل محلية. كما أن خطابات قيادة الثورة والدولة ومكون أنصار الله ورئاسة الوفد الوطني للمفاوضات، هذه المصادر الرسمية أبدت سابقاً وتبدي دائما رغبتها في إجراء صفقة تبادل كاملة للأسرى وإغلاق هذا الملف الإنساني.
وقد جاء في الفقرة (4) ما يلي: «وعمدت مليشيا الحوثي على تصوير الإنجاز الذي حققته الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، باعتباره نصرا عسكريا لها، وحاولت إعادة تحسين صورتها لدى أنصارها بعد إفشال كافة صفقات التبادل، بتوزيع هدايا للأسرى المحررين، وفقا لمصادر «العين الإخبارية»».
اختلاق الأكاذيب وتصديقها!
في الفقرة (5) يحشد الكاتب في الخبر أكثر من كذبة وإشكالية، بداية من تهمة «الإرهاب»، فعلى الرغم من أن هذا المفهوم غير محدد بشكل علمي، وأن هذه التهمة تلقى على فصائل ومنظمات ذات قضايا عادلة كحركة حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحزب العمال الكردستاني، رغم أن هناك إشكالية في المفهوم، إلا أن أنصار الله حتى اليوم في نظر المجتمع الدولي ليسوا منظمة إرهابية.
وعلى العكس من ذلك فالجماعات الداعشية التكفيرية «الإرهابية» هي التي تقاتل مع تحالف العدوان والمرتزقة وبشكل علني، بل وإن كثيراً من قيادات الألوية العسكرية في جماعة هادي مذكورون في قوائم «الإرهاب» الأمريكي والخليجي المصري.
صدق الموقع والخبر في القول بأن القوى الوطنية في صنعاء تستثمر هذا الحدث إعلامياً، فمعرفة هذا الأمر بديهة، لكنه يربط هذه البداهة باستنتاج غير واقعي ومعلومة غير حقيقة، وهي أن القوى الوطنية منهارة المعنويات وتفتقر للمقاتلين، فيما الواقع يَشهد بأن قوات الجيش واللجان الشعبية تمارس ضغطا عسكريا على مأرب بعد تقدمات الجوف والتي حققت تقدما مؤخراً في مدينة الدريهمي، ومن البديهي أن القوات التي هي في مرحلة التقدم والمبادرة العسكرية هي التي معنوياتها عالية.
الفقرة (5): «وينظر الإرهاب الحوثي للاختراق النوعي في هذا الملف الإنساني البحت، بأنه فرصة ذهبية للاستثمار الإعلامي لرفع معنويات أتباعه المنهارة وإعادة ترميم الثقة مع قبائل شمال اليمن في محاولة لحشد المزيد من المقاتلين وإرسالهم للجبهات».
نصف حقيقة من أجل كذبتين!
من الفقرة (6) يبدأ الخبر بالاستناد إلى مصادر معلومة ومصادر موقف وتحليل سياسي، ويبدأ بحقيقة وهي حقيقة علنية، أي وجود دعوة إلى استقبال الأسرى المحررين في صنعاء، إلا أن الدعوة انحصرت على صنعاء وريفها فيما توافد البقية من سائر المحافظات بدون دعوة وعملية تحشيد، واقتصر الحضور على من لهم صلة نسب أو قرابة أو تنظيمية أو رفاقية بالمجاهدين الأسرى.
الفقرة (6): «وقالت مصادر يمنية لـ»العين الإخبارية» إن مليشيا الحوثي وجهت منذ أيام دعوات جماعية لأتباعهم والسكان في المدن والأرياف الخاضعة لسيطرتهم للاحتشاد والتوافد إلى ساحة «المطار» و»السبعين» وسط صنعاء لاستقبال الأسرى المفرج عنهم».
وإذا كان الخبر جاء بشيء من المصداقية في الفقرة (6)، فهو من أجل ان يُمرر الكذبة في الفقرة التالية (7)، فقد ادعى كاتب الخبر بناء على ما سماه مصادره أن التحشيد كان «بالقوة وبالترغيب والترهيب»، وهو الأمر الذي لم يحدث ولم يثبت، ولو وجد لكان الموقع ضمّنه في هذا الخبر، ونشره في خبر مُستقل.
وفي طبيعة الحال فإن الموقع يحاول أن يغطي على حقيقة أن أسرى المرتزقة لم يلاقوا أي اهتمام واستقبال رسمي أو شعبي في مطار سيئون، ولم تَظهر أي فرحة شعبية بعودتهم ولم يظهر احتفاء مجتمعي بهم كما حدث في صنعاء.
وجاء في الخبر:
الفقرة (7): «وأوضحت أن مليشيا الحوثي مارست الترغيب والترهيب لإخراج المواطنين في مناطق سيطرتها للتظاهر، وهو ما يعني أن الهدف ليس مشاركة فرحة الأسر والعناصر المفرج عنهم، وإنما استثمار الحدث وتوظيفه سياسيا وإعلاميا وعسكريا على المستوى المحلي والدولي».
مخاوف مشروعه للمرتزقة!
حين جاء الخبر في الفقرتين (8) و(9) إلى نقطة الحديث عن المخاوف فلم يأت بها على لسان مسؤولين من المرتزقة، ولم يأت بهذا القلق على لسان الموقع الأخباري، بل جاء بها على لسان «حقوقيين» على اعتبار أن «الحقوقيين» شخصيات مستقلة من خارج الاستقطابات الاجتماعية يتخوفون على السلام في اليمن من أي تنامٍ للقوة العسكرية لأي طرف، فيما الحقيقة أن هذه المخاوف هي مخاوف المرتزقة العسكريين والسياسيين بشكل رئيسي.
الفقرة (8): «وأبدى ناشطون يمنيون مخاوفهم من خلال عودة قرابة 1000 مقاتل إلى صفوف مليشيا الحوثي في الصفقتين التي تمت، الأربعاء، مقابل رهينتين أمريكيتين وشملت قرابة 280 جريحا، والخميس والجمعة في عملية تبادل الأسرى والتي تتضمن إطلاق سراح 680 أسير حرب».
الفقرة (9): «وقالوا إن الكثير من جرحى مليشيا الحوثي كانوا عبارة عن قيادات، بينهم خبراء في الطيران المسير وإطلاق الصواريخ، كما تتواجد قيادات ميدانية عسكرية بين الأسرى، وقد تشكل عودتهم اشتعالا أكثر ضراوة لجبهات القتال».
خطاب السلام حين يشتد الخناق!
بداية من الفقرة (10) تنسب الرؤية إلى «ناشط» حاضر، يكرر ادعاءات كاتب الخبر ذاتها. مخاوف هؤلاء «الناشطين» تقوم على افتراضات غير موجودة، فليس هناك اتفاقية سلام، ولا تقدم في مسار المشاورات، فتبادل الأسرى تنفيذاً لاتفاقية عقدت قبل عامين، ولم يرافق هذه الخطوة أي عملية لإيقاف إطلاق النار كما كان يجري في الفترات السابقة، وخطاب السلام يحضر في مواقع المرتزقة كلما تقدمت قوات الجيش واللجان الشعبية.
الفقرة (10): «ويرى الناشط الحقوقي اليمني جبران فؤاد أنه كان يفترض أن يكون اتفاق الأسرى (بادرة سلام) ليس فيه انتصار لطرف سوى للإنسانية، لكن الاحتفالات الحوثية على طريقة «النصر العسكري» ترسم صورة قاتمة عن مستقبل السلام في اليمن».
الفقرة (11): وقال فؤاد في تصريحات لـ»العين الإخبارية»: «إن المليشيا الحوثية توجه رسالة للجميع، مفادها: لا وقت للسلام، حتى أهالي الأسرى الحوثيين لن يجدوا الوقت الكافي لتوديعهم مجدداً، حيث يعكس الاستقبال العسكري للأسرى مدى النقص الشديد في الموارد البشرية لجبهات الحوثي».
فؤاد، الذي «صرح» للموقع في الفقرة (11) بدون ذكر الموقع لصفته حتى يُقيم التصريح وفقاً للمُصرح، لم يأت بتصريح يقدم فيه موقفاً أو معلومة أو ينفي خبراً، بل جاء باستنتاج أن أسر الأسرى لن تجد وقتاً لوداعهم، فقد حان موعد إعادتهم إلى الجبهات. وتحليل فؤاد لم يكن صائباً، فما حدث في الواقع أن الأسرى الشباب منهم سيزوجون والصيادون منهم سيعطون قوارب للعمل، وبالطبع فسيعود منهم إلى الجبهات، إلا أن ذلك سيكون وفقاً للقناعة الشخصية ولا يوجد أي توجيه بإعادتهم.
الرعب يخيم على المرتزقة
الرعب الذي سيطر على تحالف العدوان من الجيش واللجان الشعبية في هذا المرحلة من تنامي قوتها الميدانية، هذه الحقيقة تبرز في الخبر، وهاهي تتكرر للمرة الثانية في الخبر على لسان «فؤاد»! وحتى لا يظهر مقدار الرعب الذي يكتنف المرتزقة ويظهر في إعلامهم فهم يحاولون وللمرة الثالثة في الخبر التهوين من قوات الجيش واللجان الشعبية والحديث عن افتقارها للكوادر وضعف معنوياتها وشعبيتها!
الفقرة (12): «وتنمّ الفرحة الحوثية في طريقة استقبال الأسرى والجرحى، وفقا للناشط اليمني، عن افتقار مليشيا الحوثي لكوادرها القتالية المدربة التي لعبت دوراً بارزاً في معارك سابقة، فيما تستغل عودتهم من الأسر لرفع المعنويات القتالية في صفوفها وحشد المزيد من المقاتلين، خصوصا لدى القبائل».
الفقرة (13): «ولفت فؤاد إلى أن عودة 240 جريحاً أرسلتهم مليشيا الحوثي للعلاج في الخارج هم بالطبع من ذوي الخبرات العسكرية الخاصة، ومن المرجح جداً أن يكون من بينهم خبراء تفخيخ وقناصة متمرسون، تُشكل عملية إنعاش لمليشيا الحوثي التي تكاد جبهاتها تنهار جراء نزيف قياداتها المتواصل».
تلميع بالخواء!
بعد افتراض الموقع أنه قد أدى مهمة تشويه القوى الوطنية على أكمل وجه، ينتقل إلى مديح طرف مرتزقة العدوان.
الفقرة (14): «في المقابل تحقق الحكومة اليمنية والتحالف العربي بقيادة السعودية مكاسب أمام المجتمع الدولي كأطراف تلتزم بما نصت عليه القوانين والاتفاقات الدولية ذات الصلة، استمراراً لجهود تحسين الوضع الإنساني وإن انطوى ذلك على بعض المخاوف»، طبقا للناشط اليمني.
من المُتفهم أن يقوم الموقع الموالي للعدوان بتلميع طرف المرتزقة الحكومة العميلة، لكنه لا يجد ما يمدحهم به. الخبر في الفقرة (14) لا يبين كيف تحقق الحكومة العميلة هذه المكاسب ولا يحدد ما هي القوانين والاتفاقيات الدولة ذات الصلة. وما دمنا في معرض الحديث عن أسرى فيمكن لنا أن نفسر جملة «القوانين والاتفاقات الدولية ذات الصلة» بأنها المتصلة بأوضاع الأسرى، ومن هنا نفهم كيف حاول الموقع أن يمتدح الحكومة العميلة، وكيف يفترض أن الاستقبالات المهرجانية ذات الطابع العسكري التي قامت بها السلطة الوطنية في صنعاء مخالفة «للقوانين والاتفاقات الدولية ذات الصلة». وبما أن الحكومة العميلة لم تقم بحفل مهرجاني تظهر فيه كدولة بقياداتها العسكرية وفي مظهر عسكري، لأنها لم تفعل ذلك فهي تحقق المكاسب، وهذا أسذج ما في الخبر، ولا يبدي فقط سذاجة الإعلام، بل والبوار السياسي والميداني العميل!
قلب الحقائق
يختتم الموقع خبره بقلب الحقائق، وذلك في الفقرتين الأخيرتين منه (15، 16).
الفقرة (15): «وخلافا للمظهر الذي بدا عليه أسرى الحكومة الشرعية بعد وصولهم من سجون الانقلاب إلى مطار سيئون، وهم أشبه بـ»الأشلاء» بعد استعانتهم بالعكاكيز والكراسي المتحركة، كان أسرى المليشيا الحوثية يظهرون في مطار صنعاء وهم في أتم الصحة، في مشهد يعكس حجم التعذيب الوحشي الذي تمارسه المليشيا ضد المختطفين».
الفقرة (16): «وكان وزير الإعلام بالحكومة اليمنية، معمر الإرياني، قد دعا، في وقت سابق الخميس، الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، للتحقيق في جرائم تصفية وتعذيب الأسرى بالسجون الحوثية، والتأكد من صحة وسلامة الواصلين إلى مطار سيئون».
وكذب من هذا النوع لا يحتاج للكتابة لتفنيده بالحجج، فالواقع أكبر حجة، وبإمكان المطلع على الخبر أن يشاهد صور أسرى الطرفين، ليطلع على الحالة الصحية الظاهرية. أما بالنسبة للتخاطب مع الصليب الأحمر، فقد كشف محمد على الحوثي، عضو المجلس السياسي الأعلى، كذب ادعاءات المرتزقة، وطرح أن يكون هناك لجنة محايدة للتحقق في ادعاءات تعذيب أسرى مختلف الأطراف، وقد تحدث أبو أحمد الحوثي بثقة عالية في ذلك.
ملاحظة أخيرة، وهي أن الموقع يتجاهل الأسرى الذين تم نقلهم إلى عدن، ويحصر حديثه عن أسرى سيئون الذين هم أسرى جماعة حزب الإصلاح. تجاهل وصول أسرى إلى عدن وهم من ضمن صفقة التبادل، وهو ما يُعد خطأ موضوعياً فادحاً في الخبر.
وهذا الخطأ إنما يُبين حقيقة أن السلطة الوطنية في صنعاء هي السلطة الشرعية للدولة اليمنية ومؤسساتها الوطنية، سلمت كل الأسرى من مطار واحد وهم من جنسيات وفصائل مختلفة، واستقبلت أسراها في مطار واحد وكلهم يمنيون، فيما تظهر حقيقة أن جماعة هادي مثلها مثل جماعة الانتقالي فصائل مسلحة لكل فصيل أسراه وليسوا «الحكومة اليمنية» كما يفترضون!
النتائج:
اتفاق ستوكهولم وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران بين عامي 2018 ـ 2019 عبرا عن قوة الإرادة السياسية لصنعاء وإمكانياتها في الحركة. إلَّا أن هذا الإمكان لم يتحول إلى واقع إلا في العام 2020 بعد تحولات الأوضاع الميدانية السياسية لصالح القوى الوطنية اليمنية. فالميداني هو ما يخلق الحدث السياسي ويؤكد أيضاً صوابية القيادة التي تتخذ مواقف سياسية، وإن كانت سابقة لأوانها نسبيا، فحركة التطور الميدانية تؤدي إلى خدمة القرارات والتوجهات السياسية التي ترسمها القيادة الثورية الحكيمة، وهذا الأمر يزيدها ثقة بخطها السياسي.
في استقبال صنعاء للأسرى المحررين برزت بمظهر الدولة المهتمة بمواطنيها ومن يقدمون التضحيات. هذا الأمر جعل جماعة هادي وجماعة الانتقالي تقلدان ذلك في فعاليات استقبال لأسراهم، وكان تقليداً رديئاً، ليس فيه أي مظهر لاحتفاء مجتمعي بأسرى المرتزقة واعتبارهم أبطالاً.
يبدو واضحاً أن تحالف العدوان قلق من عودة الأسرى إلى أرض المعركة، وكذلك الجرحى، فهو يفترض أن بينهم قيادات ميدانية هامة ربما تؤثر على العمليات الميدانية في المرحلة القادمة، ومن شكل الاستقبال العسكري فهم واقعون تحت تأثير هذا التصور.
اتفاقية تبادل الأسرى التي ظهرت كانتصار لصنعاء، عجزت آلة الإعلام العدوانية عن حرفها إلى انتصار لحكومة هادي، فتحولات الواقع والحقائق باتت أكبر من القدرة على الكذب.
يُبدي المرتزقة قلقاً واضحاً من قدرة القيادة الثورية الوطنية على العمل في أوساط القبائل وحل قضايا الثأر وتوحيدها في قضية الدفاع عن الوطن في مواجهة العدوان والاحتلال الذي بات كبار المرتزقة يشهدون وجوده.
* نقلا عن : لا ميديا