أجرى ولي العهد السعودي مقابلة مع صحيفة «أتلانتك» الأمريكية الأسبوع الماضي، تناولت عدة قضايا، أبرزها مسألة التحديث ومستقبل المؤسسة الدينية والموقف من الإخوان والوهابية، ومقتل خاشقجي، وكذلك مسألة الانفتاح السياسي الاقتصادي الاجتماعي وحديثه عن طريق «التطور السعودي الخاص».
على المستوى الداخلي المتعلق ببنية الحكم تناولت المقابلة مسألة نظام الحكم والعقيدة الحاكمة للبلاد، ومسألة المحتجزين في فندق الرايتز. وعلى المستوى الدولي تطرقت المقابلة إلى العلاقة مع إيران والكيان الصهيوني والعلاقة مع أمريكا ودول الشرق.
لم يتسم خطاب ابن سلمان بأي من الجوانب القيمية الإيجابية، وفي مقدمتها قيمة العدل والحرية التي غابت عن الخطاب بشكل تام، فيما برزت قيمة النظام. وكما يبدو فإنه يريد أن يبني نظاماً أقوى على حساب أي من القيم والمصالح الأخرى.
من تحليل أوزان المفردات والمفاهيم نجد أن أبرز مفردات الخطاب هي «أنا»، التي تشير إلى ابن سلمان، وكذلك «الملك» و»الشريعة»، فيما مفهوم «الشعب» هامشي في مقابل هذه المفاهيم.
لا يبدو أن ابن سلمان «حداثي» بالصورة التي تسوق له، حيث نجد أن مفاهيم الثقافة المحلية والشريعة الإسلامية -حسب فهمه الخاص- والمعتقدات تفوق مفاهيم التطور والتحدي والتغيير في مقابلته، فهو شخصية محافظة لا يختلف عن سائر ملوك السعودية، إلا أنه اضطراراً وبفعل الحاجة الاقتصادية -إلى تنويع قطاعات الإنتاج- يقدم على الصدام مع المؤسسة الوهابية وخطابها ويعمل على التغيير فيه، وهو يعترف بذلك بقوله إن «الضرورات تبيح المحظورات»، وأن المصلحة الاقتصادية تقتضي التغاضي عن بعض القضايا الشرعية، فمنهجه في الصدام مع الوهابية ليس فكرا حداثيا ديمقراطيا أو ليبراليا علمانيا، بل الانطلاق من المصلحة الاقتصادية المباشرة، وتأخذ المسألة الاقتصادية الوزن الثاني في الخطاب بعد مفردتي «أنا» و»الملك». ولا يزال بانتهازية يولي أهمية للرأي الديني والثقافة المجتمعية، إذ لا يريد أن يتصادم معها بصورة مباشرة، بل إجراء عملية تغيير تراكمية بطيئة.
تظهر المقابلة نوعاً من الحنق والعناد تجاه الغرب، وخاصة إدارة بايدن الأمريكية. ولا ينطلق هذه العناد من ثوابت سياسية استقلالية بل من انفعال عاطفي، من دون تجاهل أن التحولات الدولية وظهور صورة أمريكا مهزوزة شجعته على تنبي هذا الخطاب. ورغم هذا «الحنق» تجاه أمريكا إلا أن سياسة المملكة الأساسية كما صرح هي «تطوير العلاقة الاستراتيجية التاريخية مع الولايات المتحدة»، وحديثه عن الانفتاح على الشرق وخاصة الصين هو نوع من الضغط على واشنطن. ينسجم هذا الموقف مع ما نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية عن أن محمد بن سلمان ومحمد بن زايد «رفضا» اتصالات من الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لتهدئة أسعار النفط على خلفية الأزمة الأوكرانية. ومثل هذا التصرف من ابن سلمان وابن زايد يهدف للضغط على بايدن من أجل أن تصبح إدارته أكثر فاعلية في مساندة العدوان على اليمن ودعمهما دفاعياً واتخاذ مواقف أكثر صرامة ضد إيران التي تتقدم في مفاوضاتها النووية.
تنبئ المقابلة بشخصية مصابة بجنون العظمة ومتضخمة. بعد إجراء المقابلة خرج الصحفي «غرايمي وود» ليكشف ما أحاط بالمقابلة من جوانب الشخصية المريضة لابن سلمان، وكذلك عن قيام جهازه الإعلامي بتعديل النسخة العربية المترجمة وإظهار الجانب الإيجابي فيها، حيث حذف الجوانب السلبية منها وتعديلها. مثال على ذلك قوله إنه لم يقرأ يوما مقالة لخاشقجي وأنه لو أمر بالاغتيال كان سيرسل فريقا استخباراتيا أفضل من الفريق الأخرق في تركيا، وأنه سيتجاوز عن جريمة الزنا، وكذلك تشبيهه لأمير قطر بهتلر. وأشار الصحفي إلى أنه منع من دخول المملكة مرة أخرى.
وفي الحديث عن الحالة النفسية لابن سلمان قال المحرر الصحفي إن الأسئلة الصعبة كانت تتسبب في تحرك ولي العهد بسرعة، وكان صوته يهتز بتردد أعلى. في كل دقيقة أو دقيقتين، كان يقوم بتشنج حركي معقد: إمالة سريعة للرأس إلى الخلف، يتبعها بلع، مثل بجعة تبتلع سمكة. أظهر شعوراً بعقلية الضحية وبهوس العظمة بمستوى غير عادي حتى بمعايير حكام «الشرق الأوسط».
من مقارنة هذا اللقاء مع لقاء ابن سلمان مع صحيفة «بلومبرغ» الأمريكية عام 2018، نجد أن ابن سلمان كان أكثر ارتياحاً وإيجابية في التعاطي مع إدارة ترامب، وقد هاجم إدارة أوباما حينها كما يهاجم اليوم إدارة بايدن، فعلى عكس الإدارة «الجمهورية» يقوم الديمقراطيون بدور المبشرين بالقيم الغربية ويطلقون التصريحات التي تنتقد المملكة في هذه الجوانب. ومن الملاحظ أيضاً أن المقابلة السابقة تطرقت إلى التعاون مع الولايات المتحدة ضمن الدول المنتجة للنفط (أوبك)، فيما خلت هذه المقابلة من أي إشارة لتعاون بين الدولتين.
وفيما يخص قضية خاشقجي كان ابن سلمان في المقابلة السابقة ينكر وجود عملية قتل في القنصلية ويدعي عدم المعرفة بها، وفي هذه المقابلة يبدي أسفه من المصير المأساوي ويؤكد أن ذلك لن يتكرر. ومن الملاحظ أيضاً أن هذا اللقاء لم يتطرق إلى الملف اليمني، ومن المحتمل أنه طلب عدم الحديث عن هذا الملف. وفيما يتعلق بالملف الإيراني فلهجة الخطاب هذه المرة أكثر هدوءاً وعقلانية من المقابلة السابقة.
* نقلا عن : لا ميديا