يبدو أن الأميركي ومعه "إسرائيل" وأحباؤها لن يُضيئوا الضوء الاخضر لأي انفتاح عربي وإقليمي على سوريا إلى أن تستسلم لهم
..
للتذكير أولاً:
- في 24 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وهو اليوم الذي صادف الذكرى السنوية السادسة لإسقاط الطائرة الروسية شمالي سوريا من جانب الطائرات التركية، زار ولي العهد الإماراتي، محمد بن زايد، أنقرة بعد نحو ثلاثة أشهر من اتصال هاتفي أجراه به الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
- في 12 كانون الأول/ديسمبر، وصل رئيس وزراء "إسرائيل"، حليفة الإمارات، إلى أبو ظبي، والتقى محمد بن زايد.
- في 30 كانون الثاني/يناير الماضي، استضافت أبو ظبي، هذه المرة، إسحاق هرتسوغ، وهو أول رئيس "إسرائيلي" يزور الإمارات. وكانت ثاني زيارة خارجية له بعد أن كانت الأولى لكييف، حيث التقى حاكمها اليهودي فولوديمير زيلينسكي.
- في 14 شباط/فبراير 2022، وصل إردوغان إلى أبو ظبي في أول زيارة له للإمارات، التي سبق أن هدّدها وتوعّدها، متهماً إيّاها وأميركا بدعم الانقلاب الفاشل في 15 تموز/يوليو 2016.
- في 9 آذار/مارس، وصل هرتسوغ إلى أنقرة، وتمّ استقباله استقبالاً حافلاً بعد أن هدّد إردوغان "إسرائيل" وتوعّدها طوال الأعوام العشرة الماضية، ثم أغلق ملف سفينة مرمرة في مقابل عشرين مليون دولار تبرّعت بها "تل أبيب".
- في 18 آذار/مارس، فاجأ الرئيس الأسد الجميع بزيارته الإمارات، وهي من الدول التي تآمرت على سوريا، إقليمياً ودولياً.
هذا على صعيد الزيارات الفردية، التي سبقتها، أو لحقت بها سلسلة من الاتصالات الهاتفية بين زعماء المنطقة، الذين استمروا في تحركاتهم، وهذه المرة عبر اللقاءات المباشرة.
- في 22 آذار/مارس، استضاف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في شرم الشيخ كلاً من ولي عهد الإمارات محمد بن زايد ورئيس وزراء "إسرائيل" بينيت.
- بعدها بأربعة أيام، أي في 26 آذار/مارس، استضاف العاهل الأردني عبد الله الثاني كلاً من الرئيس السيسي ومحمد بن زايد، وانضم إليهم رئيس وزراء العراق موسى الكاظمي المنتهية ولايته.
- ولحق بهذه القمة لقاءٌ رفيع المستوى ومهم في النقب المحتل (29 آذار/مارس)، على مستوى الوزراء، وضم وزراء خارجية "إسرائيل" والإمارات والبحرين ومصر، بالإضافة إلى الأميركي أنتوني بلينكن.
- وجاء لقاء السيسي مع العاهل الأردني عبد الله وولي عهد الإمارات محمد بن زايد في القاهرة بتاريخ 24 نيسان/أبريل ليكون بمثابة الحلقة الاخيرة، وليس النهائية، في سلسلة القمم واللقاءات التي لم تأتِ للمنطقة بأي شيء جديد ما دامت أطرافها هي نفسها التي كانت وما زالت السبب الرئيسي والمشترك في دمار المنطقة، وبصورة خاصة لسوريا والعراق واليمن ولبنان.
بعبارات أدق، يبدو واضحاً أن التآمر كان الطابع الذي طغى على مجمل هذه القمم ما دام طرفها الرئيس هو "إسرائيل"، باعتراف كل الذين شاركوا فيها، أو لم يشاركوا، وفي مقدمتهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
واعترف ابن سلمان، في حديثه إلى صحيفة "أتلانتيك" الاميركية (٣ آذار/مارس الماضي) بغرامه "الخفي القاتل" لحكّام "تل أبيب"، إذ قال "إننا لا ننظر إلى "إسرائيل" كعدو، بل ننظر إليها كحليف محتمل في عدد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معاً، لكن يجب أن تحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك".
ولم يوضح ابن سلمان ما هي هذه القضايا، لكن يعرف الجميع أنها تتعلق باليمن وسوريا ولبنان. فالتنسيق والتعاون السعودي والخليجي، وحتى الأميركي والأوروبي، لدعم سمير جعجع في لبنان وما يمثّل، دليل واضح على عودة آل سعود إلى تآمرهم التقليدي على المنطقة، مع تراجع الدور التركي بعد مساعي إردوغان للمصالحة معهم ومع الإمارات ومصر و"إسرائيل"، حلفاء الرياض.
كما أن استمرار التآمر السعودي - الإماراتي ضد اليمن، على الرغم من اتفاق الهدنة الأممي، يحظى هو أيضاً بدعم الحلفاء الجدد والقدامى في المنطقة، وبغياب الدور القطري "الذكي"، والمنشغل عبر قناته الفضائية بالأزمة الأوكرانية ضد روسيا، في الوقت الذي تسعى موسكو لموازنة هذا الدور عبر العلاقة بالرياض وأبو ظبي. ويتحدث البعض عن فتور في علاقاتها بواشنطن، وهو ما لا يبدو واقعياً على الأقل بالنسبة إلي، وإلّا فكيف لنا أن نفسر التنسيق والتعاون السعوديّين والإماراتيّين مع واشنطن ولندن لإطاحة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان؟
ولم يتأخر الرئيس إردوغان ايضاً في التخلي عنه فوراً فاتصل بشاهباز شريف، الذي حلّ محل خان، وهنأه باستلامه السلطة في باكستان، التي يتوقع لها كثيرون أن تسعى لتعكير أجواء أفغانستان من جديد لمنعها من أي تقارب مع إيران والصين وروسيا.
ثم كيف لنا أن نفسّر دعم "إسرائيل"، حليفة الإمارات والسعودية لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، التي لا تُخفي انزعاجها؟ وجاء القرار التركي (22 نيسان/أبريل الماضي) القاضي بإغلاق المجال الجوي التركي أمام الطائرات الروسية، التي تنقل المعدات العسكرية والجنود إلى سوريا، مؤشِّراً على فتور العلاقات بين موسكو وأنقرة، مع استمرار مساعي الوساطة التركية بين زيلينسكي وبوتين واستعجال إردوغان إقامة وتطوير علاقات استراتيجية بـ"تل أبيب" التي يخطط لزيارتها الشهر المقبل.
وهنا، لا بد من التذكير دائماً بالصورة التي جمعت (17 أيلول/سبتمبر 2021) محمد بن سلمان وتميم آل ثاني وطحنون بن زايد، على شاطئ البحر الأحمر وهم في ملابس السباحة، كأنهم يقولون لمن لا يريد أن يفهم "نحن معاً في الهوى الأميركي سواء".
وهو ما أثبتوه معاً في سوريا بالتنسيق والتعاون مع الحلفاء القدامى منهم والجدد، وكل في إطار الدور المنوط به من جانب "الكاوبوي الأميركي". ويبدو واضحاً أنه، ومعه "حصان طروادة"، أي "إسرائيل"، وأحباؤها في المنطقة، لم ولن يضيئوا الضوء الأخضر لأي انفتاح عربي وإقليمي على سوريا إلى أن تستسلم لهم، أو على الأقل تبتعد عن أيران مسافةً سيقررونها هم بأنفسهم.
فالزعماء العرب، الذين يتسابقون فيما بينهم من أجل كسب ود "تل أبيب"، وهم جميعا قرّروا فتح صفحة جديدة في العلاقة بإردوغان، الذي قال عنهم ما قاله، لا ولن يجرؤوا حتى على الاتصال هاتفياً بالرئيس الأسد، الذي لم يقم بأي عمل عدائي ضدهم، وهم الذين عملوا جميعاً على تدمير سوريا بحجة الدور الإيراني فيها وعبرها في لبنان. كما أنهم (لا ضمير لهم) لا ولن يتقدموا خطوة واحدة في طريق المساعدات الإنسانية للشعب السوري، الذي يعيش ظروفاً إنسانية صعبة جداً بسبب الحصار والعقوبات، حاله حال الشعب اللبناني الشقيق، ولم يسمحوا له حتى بالحصول على مساعدات إيرانية وروسية وصينية. فهذا البلد العربي، أي لبنان، هو الهدف الرئيس لكل المؤمرات التي حاكتها الدول المذكورة ضده، اعتباراً من الحرب الأهلية عام 1975، مروراً باجتياح الجنوب وحصار بيروت ومجازر صبرا وشاتيلا، وأخيراً عدوان عام 2006، من دون أن نتجاهل العملاء والخونة في الداخل اللبناني، من كل الأصناف والأشكال والعيارات!
فلطالما كانت الأنظمة العربية والإقليمية، ومعها العواصم الاستعمارية التقليدية، في خدمة "تل أبيب"، ولا خوف لديها إلّا من حزب الله، القوة الوحيدة التي زرعت الرعب الحقيقي في نفوس الإسرائيليين، حكاماً ومواطنين. كما أن حزب الله مثّل مصدر الصمود والتصدي لكل الشعوب العربية (الشعب الفلسطيني أوّلا) والإسلامية التي تعي حقيقة الكيان الصهيوني المحتل، وعلى الرغم من خيانة حكامها وعمالتهم لـ"تل أبيب" على نحو مباشر، أو غير مباشر. وهو ما يفسر فرض كلمة "إسرائيل" وحكامها نفسياً على المواطن العربي والمسلم عبر وسائل الإعلام المأجورة، إقليمياً ودولياً، وهو ما فعلته خلال أعوام "الربيع العربي" الدموي، عندما سوّقت الإسلام السياسي في كل أشكاله الدموية، وكان هو أيضا في خدمة "إسرائيل"، الرابحة الوحيدة من هذا "الربيع".
ويبقى السؤال الأهم دائماً: لماذا تخاف الأنظمة العربية والإسلامية من "إسرائيل"، بعدد سكانها الذي لا يتجاوز سبعة ملايين يهودي فقط؟
فجينات الخيانة والتآمر لا تكفي بمفردها للرد على هذا التساؤل ما دامت لا تكفي لتفسير خنوع الزعماء العرب والمسلمين ورضوخهم، والذين إذا عقدوا العزم ففي إمكانهم أن يشتروا ليس فقط "إسرائيل"، بل يهود العالم برمتهم.
لكن، لم ولن يفعلوا ذلك، كما لا يريدون لأحد أن يفعل ذلك، وهم مستعجلون في التآمر، لأنهم باتوا يعون جيداً أن الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، بمعنويات المقاومة، اقترب من حسم المعركة لمصلحته حتى لو أدى ذلك إلى استشهاد ستة ملايين فلسطيني في مقابل كل سكان "إسرائيل".
في النهاية، ستعود فلسطين أرضاً عربية وسيعود إليها من سيبقى من أبناء هذا الشعب العظيم، وقد خذله الحكام العرب والمسلمون، باستثناء القليل من الشرفاء والمخلصين، والجميع يعرف من هم هؤلاء!
* نقلا عن :الميادين نت