|
حسابات موسكو تُسقط رهانات واشنطن
بقلم/ عبدالله بن عامر
نشر منذ: سنتين و 4 أشهر و 26 يوماً الأربعاء 29 يونيو-حزيران 2022 12:26 ص
من النتائج الأولية للمواجهة الروسية – الغربية ما يؤكد أن موسكو بدت أكثر ثباتاً في المعركة وكأنها حسبت لكل شيء حسابه، فاستعدت لكل خطوة وتأهبت لكل ردة فعل وكل ذلك قبل أن تدشن معركتها العسكرية في الشرق الأوكراني، ولهذا فإن مسار المعركة لم يُعد بيد المنظومة الدعائية الغربية وأذيالها من وسائل إعلامية في المنطقة، بل صارت مساراتها مرتبطة بالفعل العسكري على الأرض بعد أن كانت سابقة له ومؤثرة فيه بل ومتحكمة به.
يوماً بعد آخر تبدو روسيا أكثر قدرة على المواجهة، ليس على الصعيد العسكري، بل والسياسي والإعلامي والأهم من ذلك الاقتصادي، الأمر الذي دفعها إلى التصعيد من خطابها واتخاذ خطوات عملية قد تتسبب في اهتزاز المركز الاقتصادي الغربي وليس انهياره، فروسيا بنت خطتها على القوة الاقتصادية قبل العسكرية ولهذا توقعت ردود الفعل الغربية التي كانت ستتجه فوراً نحو الاقتصاد لعدم الرغبة الأمريكية – الغرب أوروبية على المواجهة المباشرة عسكرياً مع الروس، فبضع عقوبات تتبعها حزمة أخرى كانت كفيلة بإحداث زلزال في موسكو وهو ما سيجبرها على الانسحاب وبالتالي تسجيل هزيمة عسكرية منكرة، لكن لم تؤد حزم العقوبات المتتالية إلى تحقيق أي هدف، فقد كان الروس اكثر استعداداً بدءاً من امتصاص ردة الفعل ثم التعامل معها بإجراءات داخلية مع استمرار المعركة الميدانية وما تفرضه من تغييرات على صعيد التكتيكات القتالية وكذلك الخطة الهجومية فلم تمنح الغرب المزيد من الفرصة لتحويل أوكرانيا إلى أفغانستان أخرى ولم تعدم الوسيلة في مواجهة التدفقات اليومية للأسلحة الأمريكية إلى أوكرانيا بالتزامن مع الحملة الدعائية المكثفة والتي لم تدفع الروس إلا للثبات أكثر واستغلال تلك الحملة في تأكيد العداء الغربي لروسيا لاستنهاض القومية الروسية ودفع الشعب إلى المواجهة من خلال تأييد بوتين والجيش الروسي، ومن هنا بدأت واشنطن تفقد الأمل بعد أن كانت تراهن على تحرك شعبي داخل روسيا يؤدي إلى إسقاط سلطة بوتين أو على الأقل يصيبها بالإرباك في لحظة تاريخية تتطلب بيئة داخلية داعمة ومساندة.
الملفت أن التضخم الذي كان من المتوقع أن يصيب موسكو، ها هو ينتقل من لندن الى واشنطن فيخلط الأوراق ويربك حسابات القائمين على الاقتصاد العالمي، والملفت كذلك أن الحملة الإعلامية الشرسة على روسيا، ها هي تنعكس على شكل تذمر شعبي من الحكومات الغربية، فيتحدد الموقف في باريس صباحاً بنتائج الانتخابات البرلمانية، لينتقل بعد ساعات إلى لندن منذراً بسقوط جونسون , قبل أن تعمل تلك التداعيات على إعادة ترامب إلى الواجهة السياسية، في حالة نادرة لم يعهدها الأمريكيون في تاريخ رؤسائهم السابقين، الذين يتوارون عن الأنظار عقب انتهاء ولايتهم أو سقوطهم في الانتخابات.
تضعف الأوراق بيد واشنطن ويقل لديها هامش المناورة، فيما تتعزز أوراق موسكو التي لا يزال في جعبتها الكثير لتقديمه ضمن سياسة الضغط على الغرب للتراجع عن عقوباتهم، وهو ما يعني لو حدث بالفعل نجاح روسيا في المعركة وبالتالي لن تتمكن واشنطن من إطالة أمد الحرب كما تخطط لذلك لأنها لن تكون قادرة على مواجهة تداعيات استمرار ارتفاع أسعار النفط والغاز وقد تتفاجأ بتحركات روسية – صينية لتشكيل مسار اقتصادي عالمي مواز، وبهذا تكون الإدارة الأمريكية قد حشرت نفسها في موقع ردة الفعل على مبادرات يصنعها الطرف الآخر ويفرضها على الواقع وبالتالي فإن تحديد ميدان المعركة لم يعد بيد بايدن الذي لن يكون أمامه إلا إغلاق ملفات وطي أخرى من أجل التفرغ وحشد القوة للتعامل مع أخطرها، فالروس لن يتركوه يتحرك كيفما يشاء حتى يعيد ترتيب أولوياته وتحالفاته، فكما حسبوا للمعركة حسابها فبالتأكيد أن الخطوات الأمريكية القادمة قد وضع لها الكرملين ألف حساب. |
|
|