يحاول الإعلام الموالي لأردوغان تحميل أحمد داود أوغلو مسؤولية إخفاق السياسات التركية في سورية، متناسياً استمرار أردوغان في انتهاج هذه السياسات، رغم استقالة داود أوغلو من منصبه كرئيس للوزراء في أيار/ مايو 2016.
بعدما أخفق في الرد على اتهاماتهم المتكررة له فيما يتعلق بالاستبداد والديكتاتورية وقضايا الفساد الخطرة التي تورّط فيها هو وأسرته والمقربين منه، وفق كلام أحمد داود أوغلو وعلي باباجان، وجد الرئيس التركي أردوغان نفسه مضطراً إلى شن هجوم معاكس عليهما، وهذه المرة بأسلوب آخر.
قال أردوغان إن “داود أوغلو وباباجان ليس لهما أي ثقل، ولا أي تاريخ سياسي، وأنا الذي جئت بهما فجعلت الأول مستشاراً، ثم وزيراً، ثم رئيساً لمجلس الوزراء، وزعيماً للحزب، وهو لا يستحقّ كل ذلك، لأنه ليس مؤهلاً. وأما الآخر فقد جعلته وزيراً، ولكنه كالأول خدعني وغدر بي وخان الأمانة وأخفق”.
داود أوغلو لم يتأخر في الرد على كلام أردوغان وقال: “أردوغان يقول إنه هو الذي صنعني، ولكنه ينسى أنه لولاي، ولولا أمثالي، لما أصبح أردوغان أردوغان الذي يعرفه الجميع في العالم. والدليل أنه بعد أن اختلفنا معه لم يعد أردوغان اليوم أردوغان الأمس عندما كنا إلى جانبه، وأثبت أنه جاهل في كل الأمور، وأنا أتحداه، وأدعوه إلى مناظرة تلفزيونية أمام الشعب التركي”.
وأما علي باباجان فقد جاء ردّه أكثر مهنية، إذ قال: “عندما كنت أنا وزيراً للاقتصاد كانت كل الأمور على ما يرام، ولكن بعد أن اختلفت مع أردوغان وغادرت منصبي بدأت الأمور تتدهور إلى أن وصلت تركيا إلى حافة الإفلاس بفعل جهل أردوغان لأبسط قواعد الاقتصاد، وهو يفتخر بأنه خبير بها”.
هذه المهاترات الكلامية يبدو أنها ستستمر مع اقتراب موعد الانتخابات التي ترجّح استطلاعات الرأي المستقلة أن تنتهي بهزيمة أردوغان بفرق 10 نقاط على الأقل. وهي ترجّح أن يساهم حزب المستقبل الذي يتزعمه رئيس مجلس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، وحزب “الديمقراطية والتقدم” بزعامة علي باباجان في هزيمة أردوغان بما لا يقل عن 5% من الأصوات.
ويسعى أردوغان، وسيسعى لتعويضها بدعم المنشقين عن حزب الشعب الجمهوري، وهم محرم إينجا، ومصطفى ساريكول، واوزتورك يلماز، الذين أسسوا 3 أحزاب مستقلة تهاجم معاً كمال كليجدار أوغلو بذرائع مختلفة، وأهمها العلاقة بحزب الشعوب الديمقراطي الكردي لمنع الناخبين من التصويت لحزب الشعب الجمهوري في الانتخابات المزمعة.
كذلك يتحدث الإعلام عن دعم أردوغان للبروفسور آوميت آوزداغ، الذي انشق عن “الحزب الجيد” وأسس حزب “النصر” الذي نجح في استقطاب قطاعات واسعة من الأوساط القومية بسبب مقولاته القومية وأحياناً العنصرية، إذ يخصص مقولاته لقضية اللاجئين، وخصوصاً السوريين منهم.
ويستغل أوزداغ مشكلات اللاجئين، ويطلق شعارات ومقولات معادية للعرب، ناسياً أن السبب الرئيس في هذه القضية هو سياسات الرئيس أردوغان بعد ما سمي “الربيع العربي”.
في الوقت نفسه يحاول فيه الإعلام الموالي لأردوغان تحميل أحمد داود أوغلو مسؤولية إخفاق السياسات التركية في سورية، متناسياً استمرار أردوغان في انتهاج هذه السياسات، رغم استقالة داود أوغلو من منصبه كرئيس للوزراء في أيار/ مايو 2016. وينسى الجميع أن داود أوغلو بدوره لم يغير موقفه حيال الوضع السوري، وما زال من المؤيدين للدور التركي هناك.
هذه التناقضات الشخصية بين أردوغان ورفاق دربه السابقين، أي داود أوغلو وباباجان بغياب اسم عبد الله غول، يبدو واضحاً أنها مرشحة لمجموعة من المفاجآت مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، المرجح أن تُجرى في أواسط أيار/ مايو من العام المقبل، أي قبل شهر من موعدها الدستوري في حزيران/ يونيو. في الوقت نفسه يراهن فيه كثيرون على احتمال تأجيل هذا الانتخابات في آخر لحظة بسبب تدهور الوضع الأمني لأسباب داخلية وخارجية، أو إذا أحس أردوغان بأنه لن يفوز فيها.
ويدفع مثل هذا الاحتمال بعض الأوساط إلى الحديث عن احتمالات انفجار الوضع الأمني في أثناء الانتخابات أو قبلها أو بعدها، وهو ما تخوّف منه زعيم الشعب الجمهوري، كليجدار أوغلو متهماً شركة “سادات” (SADAT) للخدمات الدفاعية، وصاحبها كان مستشاراً لأردوغان، بالتخطيط لمثل هذه الأعمال الخطرة.
بيد أن كل هذه السيناريوهات لم تمنع الرئيس أردوغان من الاستمرار في مشروعاته وخططه السرية والعلنية لزرع بذور الخلاف والانشقاق في أحزاب تحالف الأمة، الذي يضم “الشعب الجمهوري”، و”الجيد”، و”السعادة”، و”الديمقراطي”، و”المستقبل”، و”الديمقراطية”، و”التقدم”.
وترجح كل استطلاعات الرأي أن يحافظ مرشح هذا التحالف على وحدته وتماسكه، وأن يفوز على الرئيس أردوغان في انتخابات الرئاسة بفرق 10 نقاط على الأقل، بخاصة إذا كان هذا المرشح هو رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، أو رئيس بلدية أنقرة، منصور ياواش. في الوقت الذي يستفزّ فيه أردوغان زعيم الشعب الجمهوري، كمال كليجدار أوغلو، لينافسه في هذه الانتخابات حتى يتسنّى له التأثير في ميول وقناعات الناخب التركي المحافظ والمتدين من خلال مقولات دينية طائفية، باعتبار أن كليجدار أوغلو اشتراكي ديمقراطي وعلوي في الوقت نفسه.
ويسوّق أتباع أردوغان لفكرة أن “الشعب التركي بأغلبيته السنية لن يقبل رئيساً علوياً”، وهو ما قد يؤدي إلى مشكلات أمنية خطرة تتخوّف منها أوساط تركية لأسباب مختلفة.
وجاءت الاعتداءات التي استهدفت 6 من دور العبادة العلوية في أنقرة، وأماكن أخرى، قبل أيام، لتؤكّد هذه المخاوف التي تقلق بال الشارع الشعبي، وتذكّره بالأحداث الدموية التي تعرض لها العلويون في تركيا خلال فترات مختلفة، وراح ضحيتها المئات منهم.
وتحدّث الداعية، أحمد أونلو عن نشاط مكثّف لرجال دين ومجموعات وهابية سلفية في تركيا، وقال إنها باتت تشكّل خطراً على تركيا بعدما سلّحت عدداً كبيراً من أتباعها وأنصارها ما يزيد هذه المخاوف التي سبق أن أشار إليها كليجدار أوغلو.
ويعتقد أتباع أردوغان أن أحاديث ومخاوف كهذه قد تمنع الناخب التركي من التصويت لكليجدار أوغلو أو مرشحي تحالف الأمة، الذي يضم 5 أحزاب يمينية في مقابل حزب اشتراكي ديمقراطي واحد وهو حزب الشعب الجمهوري وزعيمه العلوي كليجدار أوغلو.
وما على أردوغان في هذه الحال إلا أن يواجه حملات رفاقه السابقين ضده قبل أن يتفرغ لعدوه اللدود كليجدار أوغلو حتى لو لم يكن تأثير هؤلاء الرفاق كبيراً. فالمواطن يقول إن داود أوغلو وباباجان خلال مهاجمتهما أردوغان يفعلان ذلك في الإطار العام من دون الدخول في التفاصيل. فعلى سبيل المثال هما يتهمان أردوغان بالفساد الخطر، لكنهما يتهرّبان من الدخول في تفاصيل هذه القضايا وتحديد أسماء المتورطين فيها، وهما على اطّلاع واسع بهذه الأسماء لأنهما كانا إلى جانب أردوغان 15 عاماً.
وفي هذا السياق، يقول باباجان وداود أوغلو إن “قضايا الفساد هذه كانت كافية لتغيير أردوغان من أردوغان الديمقراطي النزيه والشفاف، عندما تسلّم السلطة في نهاية عام 2002 إلى أردوغان المعادي لأبسط معايير الحرية والديمقراطية، والشعب، وناهب ثرواته، هو ومن معه من أفراد أسرته والمقرّبين إليه بعد أن أصبح الحاكم المطلق للبلاد بتغيير النظام السياسي، فأصبح الآمر الناهي بعقليته الاستبدادية الديكتاتورية”، والكلام هذا كله للمعارضين، بمن فيهم داود أوغلو وباباجان، وهما أدرى بخفايا أردوغان في السر والعلن، داخلياً وخارجياً، وهما مع الآخرين صنعوا من أردوغان زعيماً سياسياً تركياً وعالمياً بكل إيجابياته وسلبياته فتخلّص منهم جميعاً!
* نقلا عن : لا ميديا