شنت المملكة السعودية وتحالفها حربها العدوانية بذريعة «إعادة الشرعية»، واعتبرت ما حدث في 21 أيلول/ سبتمبر 2014 انقلاباً ينبغي إسقاطه. وخلال الحرب العدوانية شهدت المملكة انقلاباً على ولي العهد السابق وإزاحته من المشهد واعتقلت كثيراً من الأمراء وبعض الأثرياء في فندق الريتز من أجل إنجاح الانقلاب. وعندما بلغت الحرب مشارف عامها الثامن أطاحت بهادي ونائبه اللاشرعيين بانقلاب لا شرعي. وهذه الوقائع تؤكد أن الحرب العدوانية قامت على ذرائع كاذبة ومضللة.
لقد شهدت بلدان كثيرة انقلابات عسكرية، فلم يحدث أن شنت حرب عدوانية بذريعة إسقاط تلك الانقلابات. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية لا يستقيم أن تتذرع نخبة حاكمة بإسقاط انقلاب في بلد جار، بينما هي نخبة انقلابية وتدير شؤونها بمؤامرات القصور. ومن ناحية ثالثة ما رفضت المملكة وتحالفها العدواني الاقتناع به في 21 أيلول/ سبتمبر 2014 ذهبت إلى تطبيقه على مشارف العام الثامن لعدوانها حين انقلبت على هادي ونائبه في مشاورات جدة.
وعليه يمكن التأكيد بأن كل هذه الذرائع زائفة ومضللة، ولا يمكن الاقتناع بها كذرائع ومبررات حقيقية لهذه الحرب العدوانية. وفي حقيقة الأمر حرب عدوان المملكة وتحالفها لها أكثر من عامل، الأول: يتعلق بأزمة النظام الملكي في السعودية وحاجة قوى الهيمنة الدولية إلى نقل السلطة من جيل الأبناء إلى الجيل التالي، ولذا وجدت قوى الهيمنة في الحرب العدوانية خير وسيلة تمكنها من تقليم مخالب مراكز القوى داخل المملكة وتحقيق الانتقال السلس للسلطة.
وبدا جلياً أزمة شرعية الحكم داخل المملكة في أواخر أيام الملك عبدالله، حين استحدث منصب ولي ولي العهد وعين الأمير محمد بن نائف فيه، وذلك خوفاً من استفراد سلمان أسرياً بحكم المملكة.
ولقد استشعرت دول الهيمنة خطورة ما يمكن أن تشهده المملكة من صراع داخلي، خصوصاً وأن الملك عبدالله كان قد بلغ من العمر أرذله، اتخذت من مآلات الصراع في اليمن وشن عدوان عليه أحد خيارات تصدير أزمة المملكة الداخلية من خلال حرب عدوانية.
وكلنا يعلم أنه تم تقليم مراكز القوى هذه أثناء الحرب والتخلص من بعض الأمراء فيها ابتداءً بولي ولي العهد الأمير متعب بحادث الطائرة والانقلاب على ولي العهد محمد بن نائف والتخلص من الأمير متعب قائد قوات الحرس الوطني. وتكليف محمد بن سلمان برئاسة مجلس الوزراء والتغييرات الوزارية الجديدة مرحلة ما قبل توليه العرش وإحكام قبضته على السلطة في المملكة وطي صفحة مملكة عبدالعزيز وبدء صفحة مملكة سلمان.
أما العامل الثاني: فهو إزاحة وتقليم أظافر المؤسسة الدينية داخل المملكة. ولما كانت هذه المؤسسة لا تستمد قوتها من الداخل وحسب وبل تستمدها من امتدادات خارجية، وخلال نصف القرن الأخير انتشر الفكر الوهابي في جسد الأمة كالسرطان وبات له حضور في غير قطر عربي، وأقوى حضور له في اليمن، ولهذا اتخذت مراكز قرار دول الهيمنة من الحرب العدوانية أداة للخلاص من الكل يمكنها من إحداث تغيير جوهري في المنطقة ويحمي كياناتها اللقيطة من السقوط، وبواسطة الحرب تعيد تصدير أزمة هذه الكيانات الداخلية وتحمي كيانها الاستيطاني الصهيوني وتطيل زمن بقائه.
وبالطبع، هناك عامل ثالث يتلخص بزعزعة أوضاع المنطقة من أجل وقف تنامي قوة محور المقاومة والممانعة وإنهاك الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمزيد من الأعباء في الوقت الذي يفرض عليها فيه حصار وعقوبات اقتصادية، للحيلولة دون إنهاء حالة التبعية والارتهان ونهاية النفوذ الأمريكي والغربي على المنطقة وسقوط أنظمة التبعية والارتهان. وليس بالضرورة أن يكون السقوط بتدخل مباشر أو بتصدير الثورة كما تتهم إيران، إنما تدرك أمريكا والغرب من ورائها أن السقوط يمكن أن يكون من خلال نجاح التجربة الإيرانية أمام فشل الأنظمة التابعة والمرتهنة.
ولقد غاب عن المعتدين قراءة تاريخ حروب البشرية التي توزعت بين نوعين من الحروب، حروب عادلة وحروب غير عادلة، والذي يخوض حربه دفاعاً عن بلده وقيمه ومبادئه يكون الأقوى شكيمة، لأنه يكون مسلحاً بقوة الحق، ولا بد من أن تنتهي الحروب غير العادلة إلى الهزيمة.
* نقلا عن : لا ميديا