من المسلم به أن العقول متشابهة فسيولوجياً، إلا في حالات خاصة طبعاً. ولكن القدرة على استخدام العقول تختلف من شخص لآخر بحسب البيئة وظروف أخرى. لكن الغريب أن نجد أن أكثر الناس لا يعقلون!
قوى العدوان والشر تشتغل على هذا الجزء لتسقط الناس في مستنقع العمالة، وهي تستغل نقطة عدم استغلال البعض لعقولهم لتقدم لهم فائدة بسيطة قريبة مقابل التخلي عن فائدة أكبر وأهم؛ ولكنها تحتاج لوقت وجهد للحصول عليها.
مثلا: تلك الأموال التي تدفع لبعض المرتزقة المحليين هي في الأساس جزء من ثروات بلدهم؛ ولكن بسبب عدم قدرتهم على التفكير المنطقي يتناسون ذلك، ويتعاملون مع دول الاحتلال على أن ما يحصلون عليه هبة من هذه الدول، ولأجل الحصول على تلك الأموال يتصرفون بشكل مخل بالأخلاق والكرامة، وهو ما يجعلهم حقراء في نظر أنفسهم ونظر من يشغلهم!
ويتمادى الكثير منهم عندما يتصرفون بالمزيد من الحقارة طمعا في المزيد، مع أن المفترض عليهم أن يتصرفوا بشكل مغاير تماما؛ لأن هذه الأموال التي يحصلون عليها هي من ثروات بلدهم، وعلى حساب شعبهم، إلا أن هؤلاء غالبا ما يدفعون ثمن غبائهم سريعا، وقد شاهدنا كيف تم التخلص من غالبيتهم خلال سنوات العدوان، فمنهم من تم قتله، ومنهم من نهبت أمواله، ومنهم من سجن، ومنهم من فر! فالقاعدة الأساسية هي أن الله لا يصلح عمل المفسدين.
المنطق كان يحتم على هؤلاء أن يفكروا ببناء بلدهم، وعندها كان ما سيحصلون عليه أضعاف ما أخذوه على حساب دينهم وأخلاقهم وكرامتهم، وأن يتعظوا من التاريخ الذي بين نتائج الخيانة والعمالة، أو على الأقل أن يتعظوا من أقرانهم الذين تم التخلص منهم من قبل، الذين خانوا بلدهم وشعبهم من أجلهم!
حتى مبرر أنهم يكرهون توجه بعض أبناء بلدهم، كأنصار الله وغيرهم من القوى الوطنية، غير منطقي؛ فقد كان بإمكانهم أن يقدموا مشروعاً آخر يحقق النهضة لبلدهم وشعبهم، دون السقوط في مستنقع العمالة والتبعية. عندها كانوا سيجدون حالهم أفضل مما هم عليه من الذل والخزي، وكانوا سيجدون من يقف معهم من أبناء جلدتهم. أليس كذلك؟!
قد يحصل الواحد منا على أموال من المحتل؛ ولكنها تبقى أموالا حراماً تذهب بصاحبها إلى أسوأ مصير في الدنيا قبل الآخرة، بالإضافة إلى أن جهد الحصول عليها يكون باهظا جدا، فتضطر لأن تكذب وتدلس وتقلق وتقاتل وتحتمل شتى أنواع الهوان لتحقيق ما ترجوه من مال وسلطة، وفي الأخير تجد كل ما حصلت عليه هو السراب لا غير! وكما يقال: «من ضاق عليه الحق، كان الباطل عليه أضيق»!
* نقلا عن : لا ميديا