الفساد الذي فاح نتنه ليس جديداً، وإن صار مستفحلاً بفعل الحرب العدوانية. وفي المحصلة فإن هذه الحرب العدوانية ما كان لها أن تقوم لولا هذه النخبة السياسية الفاسدة التي شرعنتها. وأحد أهداف حرب تحالف العدوان غير المعلنة يتمثل في إعادة نظام الفساد الذي يشبه أنظمة حكم الريع النفطي في الإقليم، مع فارق في الوفرة المالية، حيث يكون الفساد في ظل الوفرة المالية محمياً من خلال تخصيص جزء من هذه الأموال في شراء سكوت الرعايا.
ومنذ وقت مبكر كتب أستاذنا الدكتور أبوبكر السقاف في غير مقال يفند نظام الحكم وينتقد الفساد المنظم الذي يجري تكريسه في حياة الناس. وأتذكر مقالا له نشره في صحيفة «صوت العمال» في تموز/ يوليو 1993 تحت عنوان «نمط إنتاج الفساد»، أكد فيه علاقة التواشج بين نظام الحكم والفساد، ونبه من خلاله أن ذلك سيفضي إلى انحلال وتمزق النظام السياسي والمجتمع، ويعوق قيام دولة الجميع الضامنة. واستمر ينبه في العديد من كتاباته إلى هذه المعضلة، ولم تكن هناك آذان صاغية، حتى وصلنا إلى رجس الخراب الماثل أمامنا.
وعليه فإن الفساد الذي يجري التشنيع به حالياً ليس جديداً، فهو امتداد لفساد جرى تأصيله من نخبة فاسدة لا تستطيع أن تدير الشأن العام إلاّ بواسطته. ومن يعتقد أن ما يحدث من تشنيع بالفساد سيفضي إلى إصلاح فهو واهم، فالقضية ليست يقظة ضمير في الزمن بدل الضائع، وإنما لها علاقة بإزاحة فصيل استأثر بالمواقع ينبغي أن تخلو أماكنها لشركاء جدد، أي أن العملية برمتها ليست إلاّ خلق شواغر من أجل أن يملأها هؤلاء الشركاء!
* نقلا عن : لا ميديا