لقد دُكَّ الجبل و تزلزلت الأرض و اهتزت و سُمِعَ صوت رهيب مخيف كأنه نُفِخَ في الصور تصدعت منه الأرض و كادت تنشق من هوله السماء ، و لقد ذهلت كل مرضعةٍ عمَّا أرضعت، و وضَعت كُلُّ ذاتِ حملٍ حملها، و كأنَّ الناس سُكارى و ما هُم بِسكارى و لكنها كانت مأساةَ يومٍ عظيم أشبه بيوم قيام الساعة ،
يوم.. كأنّما الكواكب انتثرت و السماء انفطرت و الجحيم سُعِرّت!!
نعم إنه يوم الفاجعة الكبرى و المأساة الكارثية التي حلت بصنعاء منطقة فج عطان يوم الإثنين الموافق 20/إبريل/2015 قبل عام في الساعة 10:43صباحا من اليوم الخامس والعشرين من الحرب السعودية على اليمن..
هذه الكارثة التي حُفِّرت في أذهان اليمنيين و مخيلتهم و لن تُفارِقَهُم حتى موتهم و سَتُحفر و ستخلُد في ذاكرة الأجيال من بعدهم..
إنَّ الحديث عن تلك الفاجعة لن يكفيها مقال و لا مقالات..و لكن من باب التقريب لتلك الطآمّة التي تعجز الأقلام عن الإحاطة بمنتهى بشاعتها و وحشيتها، فكل جزئية فيها تحتاج بل و تستحق الوقوف عندها و النحيب على أطلالها التي لم تنتهي آثارها و نتائجها الكارثية بعد و لن تنتهي حتى على المدى الطويل..
في صباح ذلك اليوم المأساوي و بينما الناس في أعمالهم و أشغالهم الحياتية بمختلف أعمارهم و أجناسهم يُفاجئون بهولٍ عظيم و بطآمّة لم يقدر حتى الجبل على تحمُلها بل تحطم جزء كبير منه و اندثر فكيف يتحمله البشر؟!
من أين و كيف لي أن ابتدأ الحديث يا جرح صنعاء و هيروشيما اليمن؟
إنَّ مآساة فج عطان تعد مثالاً نموذجياً لحقيقة العدوان و وحشيته وآثاره الكارثية على المستوى البشري و المادي و البيئي في كل محافظة و منطقة من مناطق اليمن و بالأخص صعدة الجريحة المنكوبة..
كم هناك من جراحات و آلام لا يمكن وصفها تظل مختبئة خلف أرقام التقارير و وراء الأخبار المقتضبة، تلك الآهات التي تجاهلها ضمير العالم و غض الطرف عنها إنسانه الحر..
كانت بداية هذه الفاجعة عندما شهد سكان العاصمة اليمنية صنعاء هزة أرضية كانت ناتجة عن سلاح محرم دولياً حيث لم يقتصر الأثر الزلزالي المدمر لهذا السلاح الذي بلغ 4 درجات بمقياس رختر على مركز الضربة( فج عطان و أحياء حدة السكنية)لكنه امتد ليزلزل صنعاء بكلها!! و يهزها من أقصاها إلى أقصاها..
ذلك الزلزال كان ناتج عن انفجار هائل عنيف و شديد التدمير وصلت نيرانة و حممه البركانية إلى عنان السماء و سدت الأفق و غطت سحبه السوداء الكثيفة كل المنطقة و أحالت النهار إلى ليل و كأنّها ظلمات بعضها فوق بعض،و التي تم مشاهدتها على مسافات بعيدة جداً من مكان الضربة، حيث أزال هذا الإنفجار جزء كبير من الجبل و تحول هذا الجزء إلى آلاف من القطع الصخرية مختلفة الأحجام و التي تطايرت كقذائف قاتلة و مُدمِّرة إلى جانب شظايا القنبلة الفراغية و التي كانت تحوي بداخلها أنواع أخرى مختلفة من القنابل الصغيرة تطايرت هي الأخرى و ملأت المنطقة، حيث و أنَّ هذه القنابل مختلفة الأشكال منها ما ينفجّر و منها ما تحتاج إلى تحديد نوعها..
إنَّ من نجا من سكان المناطق القريبة لتلك الحادثة الرهيبة ربما كان قد أصابته غيبوبة الفزع الأكبر و أذهلته و أصمت آذانه عن تذكر تفاصيلها الكارثية، و ربما وجد نفسه إلى جانب المئات من الجرحى قد فقد أجزاء من جسده أو أجريت له عملية لإستئصال بعض من أعضائه الممزقة أو المحترقة بحمم حقد ذلك الجحيم!!
إننا عندما نستمع إلى تصريحات و شهادات و تقارير من زاروا مكان الحادثة عقبها مباشرةً و عندما نشاهد صور ذلك الإنفجار و ما تسبب به من زلزال و ما تبعه من صوت و نرى تلك الكتلة النارية و الدخان الكثيف الأسود نستطيع أن نستنتج حقيقة المآساة التي خلفتها الكارثة،
كأنَّك ترى مئات و مئات النازحين من تلك المنطقة و محيطها يفرون فزعين و في حالة يرثى لها كأنَّهم يفرون من يوم الفزع الأكبر!!
إنَّ من وصل إلى تلك المنطقة بعد الحادثة مباشرة أصيب بحالة من الذعر و الذهول فالدمار يحيط به من كل مكان و يملأ أركان نفسه و أشلاء البيوت المدمرة و أشلاء الضحايا و الذين تقشعر الأبدان لمنظرهم و ما أصابهم..
و شظايا القنبلة و أخواتها و الصخور المتناثرة هنا و هناك مع مناظر الدمار و الدماء .. كلها تحتبس لها الأنفاس و تقشعر منها الأبدان و يظل منظرها يطارد من رآها مهما طال الوقت به..
لقد وصل عدد القتلى إلى أكثر من 84 ناهيك عن الكثير من المفقودين لم يتم العثور عليهم أو الوصول إليهم، و الجرحى إلى أكثر من 800 جريح توزعوا على كل مستشفيات العاصمة تقريباً جلهم حالات خطيرة جداً و مأساوية فمنهم من بترت أجزائه و منهم من أصيب بحروق و شظايا تملأ أعضائه و جسده في ظل إمكانيات شحيحة ناتجة عن الحصار الذي فاقم المصيبة..
أما البيوت المدمرة فقد وصلت لأكثر من 700 بيت مدمر، و منها من تدمر تدميراً كاملاً و هي البيوت القريبة من منطقة الضربة،و قد وصل تحطم زجاج المباني لأماكن بعيدة جداً من مكان الضربة كما وصلت الشظايا أيضاً إلى مناطق بعيدة جداً كمنطقة التحرير..
ترى أي سلاح خبيث هذا الذي يستطيع أن يخلف كل هذا الدمار!؟
إضافةً إلى هذا الدمار لم تسلم قرية فج عطان التاريخية حيث أصيبت بأضرار بالغة كتلك التي أصابت الكثير إن لم يكن كل المعالم التاريخية اليمنية و كأنها حرب على التاريخ!!
إنَّ التاريخ تتهاوى معالمة أمام حقد من لا تاريخ له و لا حضارة، و الإنسان يتحول إلى أشلاء متطايرة على يد من خلت قلوبهم من الإنسانية..
إنَّ هذه الجرائم و أنّات الضحايا و جراحات المظلومين المكلومين تحتم علينا ملاحقة مرتكبيها في المحاكم الدولية، إلى جانب عمل دراسات لمعرفة ما هي آثار تلك الأسلحة المحرمة دولياً على البيئة و معرفة نتائجها الكارثية على المدى الطويل و عمل تحاليل كيميائية لبقايا المواد التفجيرية..
لقد حاولت في هذا المقال تقريب المآساة و حقيقتها و مدى قبحها و وحشيتها..
إنَّ كل من قتل ظلما بحمم ذلك الحقد الأسود أو طُمِر تحت الركام و كل من أصبحت لديه إعاقة دائمة و فقد ساقه أو كبده و من فقد أمانه النفسي و خاصةً الأطفال يرسم لنا صورة عن حقيقة هذا العدوان..
حيث و هناك العديد من تلك الأسر غير التي دفنت بأكملها أو صهرت مع منازلها لم يعد لديها مأوى أو معيل أو فقدت أحد أفرادها صغيرا كان أم كبير، أو أصبح أحد أفرادها يعاني من إعاقة دائمة جسدية كانت أم نفسية،
و ختاماً أقول إنَّ هذه الجريمة لن ننساها و سنظل نذكرها و نطالب بالثأر من مرتكبيها مهما طال الوقت بنا و لو كان على مدى الأجيال .