بلدٌ له في كُـلّ عصرٍ حكاية، وفي كُـلّ زمانٍ بصمة، ظلت شاهدةً على عظمته وشموخه الذي ليس يطاوله أَو يرتقي إليه أحد، إنه اليمن العظيم.
مطمع الطامعين، وسقف طموح الطامحين، فاقت عظمته كُـلّ عظمة، وجاوز مجده كُـلّ مجد؛ فهو فوق أن يحويَه كتابٌ، أَو يوفيه حقه خطاب، فقد حوى في داخله أسراراً يصعب على الكثير تفسيرها، والإحاطة بمعانيها.
وأبرز تلك الأسرار التي رافقته منذ الأزل ما عُرِف عنه أنه مقبرة الغزاة، وآخر نقطة يحطون رحالهم فيها، فلم يدخل إليه غازٍ إلا كان مصيره الهلاك والموت، أَو الندم والخسران في أقل الاحتمالات.
لطالما ابتلعت رمال اليمن الغزاة والطواغيت بدءاً بالرومان والغرور الذي تملكهم، والأحباش وفيلتهم، وانتهاءً بالدولة العثمانية التي بسطت نفوذها على البرين والبحرين، وكذلك كانت عاقبة الإمبراطورية البريطانية، فبهذا تحدثت عنه العصور الغابرة، والقرون الخالية، وما خفي كان أعظم.
أما (الأمريكيون والإسرائيليون والبريطانيون وغيرهم) فسيكون مصيرهم كمصير أسلافهم ومن سبقوهم، فما عليهم إلا قراءة تاريخه والتمعن فيه جيِّدًا؛ فهو لا يهادن ويجاري الغزاة أبداً، ولا يحدثهم إلا بحد السيف وفوهات البندقية، وطبعاً ما زال ذاك الطبع هو طبعه لم يغيره ولم يبدله، فهو يعرف الطريق الصحيحة والحكيمة في التعامل مع الغزاة والمحتلّين، وأتقن فنونها جيِّدًا.
وهنا نستطيع أن نقول: إن اليمن هو المصير المجهول، والموت المحتوم، لكل إمبراطوريات الدم والقتل والظلم فيما مضى وفيما سيأتي من الأيّام، فالله خلقه وأعده لهذا الدور، حقيقة ثابتة وواضحة وناصعة البياض، لا يمكن لأحدٍ إنكارُها أَو تجاهلها، فالشمس لا تحجب بغربال.