بالمفهوم السياسي والعسكري، لقد تمكن اليمن من تحجيم وتقليص اللعبة السياسية الدولية في بلدنا، وامتلك مفاتيح التوازن والردع العسكري. هذا يعني أنه لم يعد أمام دول العدوان والحصار من سياسة تمارسها في اليمن سوى محاولات التشبث بتلابيب صانعي القرار الدولي، سواء بالتوسل أو تقديم الإغراءات لهم، من أجل المشاركة في وضع شروط اللعبة السياسية لصالحهم، وهذا ما تقوم به الإمارات والسعودية حاليا وما تسعيان له.
وبالتالي فإن أول ما يتوجب على صانع القرار السياسي اليمني هو إفشال الإمارات والسعودية في استعطاف أو إغراء صناع القرار الدولي أو حتى الحصول على فرصة لذلك؛ لأنه وببساطه شديدة إذا تمكن اليمن من إفشال سعي الإمارات والسعودية لنيل استعطاف أو إغراء الدول صانعة القرار الدولي، فإن السياسة تحتم على تلك الدول الكبرى أن تراعي مصالحها، مما يعني أنَّ تعامُلها الأول سيكون مع اليمن كدولة صانعة ومتحكمة بالقرار السياسي والعسكري على الأرض اليمنية، ومن مصلحة هذه الدول أن تتعامل مع الدولة اليمنية القوية وتركل الدول الضعيفة والهشة وأدواتها.
إن إفشال مخطط استعطاف وإغراء السعودية والإمارات للدول الكبرى لن يتم في الغرف المغلقة وقبول المفاوضات السياسية والهدن العسكرية السرية ووساطات الأصدقاء، لن يتم ذلك إلا من خلال علنية سياسية شعبية ضاغطة وتكتيك عسكري مؤلم ومستمر بالضرب من تحت الحزام يرغم اللعبة الدولية على الخنوع والشعور الدائم بأن مصالحها مهددة ومأمنها في الوقت ذاته باليد اليمنية.
أما إذا حصلت الإمارات والسعودية على فرصة استعطاف أو إغراء الدول الكبرى، فإن ذلك يعني أنهما حصلتا على إعادة ابتعاث لتوسيع وانتشار مطامع اللعبة السياسية الدولية في اليمن مرة أخرى، وبالتالي تشغيل أدواتهم الارتزاقية أكثر والبحث لهم عن مقعد دائم لتنفيذ شروطهم، بعد أن تم تقليصها وتحجيمها إلى أدنى مستوياتها، وهذا هو الخطأ السياسي بعينه والفشل السياسي بعينه وصفته واسمه ورسمه.
إن كافة الدول المستفيدة من الحرب على اليمن تتمنى أن يُعاد بعث اللعبة السياسية الدولية من أول وجديد، حتى تتزايد أدوات الخيانة والارتزاق والعمالة، فهذا يعني بالنسبة لها إذلال وتبعية سعودية وإماراتية أكبر لها، وصفقات بيع سلاح أكبر، ومفاوضات تزيد قوتها وهيبتها، وتجويع أكثر لليمن، وحصار أكبر، وبالتالي توزيع شروط الهدن والمفاوضات بين أنياب أدوات الخيانة والارتزاق.
غير أن الأهم والأخطر هو إشغال القيادة اليمنية الحرة والشريفة ولأطول وقت ممكن بالحرب والجبهات والعمل على تفكيك وحدة الجبهة الداخلية وزيادة الغضب الشعبي عليها، واختلاق الكذب والشائعات التي تمنع المجتمع من التحشيد للجبهات، وكل هذا التوسع حتى تصنع لك الدول الكبرى شروطاً للعبة السياسية الدولية، بحيث تطالبك هذه الشروط غدا وتلزمك بتسليم صواريخك وطيرانك المسير، بطلب من أدواتها الارتزاقية، بدلا من استجدائها اليوم لك إيقاف القصف فقط وامتلك واصنع ما شئت غدا.
* نقلا عن : لا ميديا