في الوقت الذي يترقب فيه العالم إعلان خارطة السلام في اليمن، بعد اللقاءات التي احتضنتها صنعاء ومسقط والرياض، أعلنت قوات التحالف بقيادة المملكة السعودية، مقتل أربعة ضباط وجنود بحرينيين في هجوم قال التحالف إن القوات البحرينية تعرضت له في الحدود الجنوبية للمملكة، قوة دفاع البحرين اتهمت صنعاء بإرسال طائرات هجومية مسيرة على مواقع ما تسمى قوة الواجب البحرينية المرابطة بالحد الجنوبي، فيما أعلن المتحدث باسم قوات التحالف تركي المالكي أن البحرينيين قتلوا بهجوم استهدف محطة كهرباء ومركز شرطة بالمنطقة الحدودية.
هذا التناقض في الاتهامات يفتح الباب للتساؤل، هل السعودية والبحرين وبقية دول التحالف وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية عجزت عن تحديد مكان الاستهداف؟ وإذا افترضنا أن الهجوم بطائرات مسيرة أين هي الدفاعات السعودية والأقمار الاصطناعية، والمسح الجوي وطائرات الاستطلاع والتصوير؟ وهل بات من الصعب عليهم تحديد مكان الانطلاق للطائرات المسيرة؟ والسؤال الأهم «وين» التقنية السعودية المذهلة «الصابونة» التي قالوا إنها تحتوي على «دهانات» تمنع استهداف الصواريخ والطائرات المسيرة على المواقع السعودية الهامة؟
المستغرب في الأمر أنه وعلى مدى سنوات المواجهة مع السعودية «نفق» الكثير من الضباط والجنود السعوديين والإماراتيين والبحرينيين في الحد الجنوبي، ولم يجرؤ التحالف على الإعلان عن مقتلهم خلال اقتحام الجيش اليمني للمواقع والمعسكرات السعودية على امتداد الشريط الحدودي وفي العمق أيضاً وداخل قواعدهم ومطاراتهم العسكرية، وحتى اللحظة لم يكشف التحالف عن حجم خسائره البشرية، وكان يكتفي بالإعلان عن وفاة القادة العسكريين ويوعز ذلك الى الجلطات والسكتات القلبية في أغلب الأحيان، وعلى سبيل المثال ما أعلنته وزارة الدفاع السعودية عن وفاة قائد القوات الجوية الملكية الفريق ركن محمد بن أحمد الشعلان، إثر أزمة قلبية، فيما ترجع المعلومات أنه استهدف ضمن اجتماع لقادة عسكريين للتحالف في قاعدة خميس مشيط، وأعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة في الإمارات مقتل أحد جنودها، عبيد سعيد البدواوي، في حادث تدهور آليته العسكرية بالمملكة السعودية، وتشير المعلومات الى أنه لقي مصرعه خلال هجوم على أحد المواقع العسكرية في نجران.
كل هذا يدعو للتساؤل لماذا أعلن التحالف عن مقتل البحرينيين الأربعة؟ وهل هو تنصل من استحقاقات السلام وتراجع عما تم التوصل إليه من تفاهمات تحت وطأة الضغوط الأمريكية؟ وهل يمكن أن تقدم السعودية جنود البحرين كبش فداء للضغط على صنعاء، أم أن هناك طرفا ثالثا يمارس دور المعطل؟ ومن يكون هذا الطرف؟ هل هي الإمارات التي تعيش حالة صراع مع السعودية، نتيجة لغيابها وغياب من ينوب عنها في المفاوضات التي تجري بشكل مباشر بين صنعاء والرياض، أم للقطريين والإخوان «حزب الإصلاح» دور في ذلك، ولا يستبعد أن يكون للمرتزقة والمليشيات التابعة لحكومة معين عبدالملك دور، لاسيما وأنهم يرون أنهم الخاسر الأكبر من توقف الحرب، وبالبحث عن المستفيد من عودة المواجهات يمكن التوصل الى من يقف وراء الهجوم.
منظمات حقوقية ونشطاء بحرينيون معارضون اتهموا نظام آل خليفة بالزج بمرتزقته على الحدود اليمنية للموت دون اكتراث لحياتهم ومصيرهم، حيث لا حدود جغرافية تربط البحرين مع اليمن، معتبرين أن هذه النهاية المتوقعة لمرتزقة الحدود في العدوان على اليمن ولا عزاء للمرتزقة، واعتبر ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير أن قتلى البحرين ليسوا شهداء الواجب بل هم مرتزقة المهام الفاشلة و»القذرة»، وهم نفسهم من قتل أبناء شعب البحرين في احتجاجات ثورة 14 فبراير، وبعدها تغيرت مهامهم لينتقم الله لشعب البحرين المظلوم منهم، وصنعاء الصابرة هي مقبرة الغزاة والمعتدين.
أياً يكن منفذ العملية الهجومية إلا أنها أظهرت للسطح حقيقة أن السعودية التي كانت تهدد باحتلال اليمن وإسقاط عاصمته الصامدة في يومين، مازالت تحتمي بقوات غير سعودية في حدودها، في ظل خشيتها من أي تصعيد قد يطال مواقعها، بالرغم من التهدئة القائمة وخفض التصعيد، وهذا يعكس حالة الضعف والهشاشة التي يعاني منها الجيش السعودي، الذي كان قبل العدوان على اليمن يرسل قواته الى البحرين لقمع المتظاهرين فيها إبان ثورة فبراير في العام 2011، وأرسلت السعودية حينها 1200 فرد من قواتها التي شاركت في قتل المتظاهرين السلميين في شوارع البحرين، ومارست القوات السعودية القمع والتعذيب والهجوم على الحسينيات وتدنيسها وهدم المساجد واحتلال مستشفى السلمانية الطبي وتعذيب المصابين والأطباء والكوادر الطبية وقامت بارتكاب العديد من الجرائم والانتهاكات.
وكانت ولاتزال دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات تشعر بتهديد كبير من انتصار ثورة الشعب البحريني، خوفاً من انتقال هذه التجربة الى بقية مشيخات «البترودولار»، ولكنها اليوم غارقة في وحل الورطة التي دخلتها في اليمن، ولا يبدو أن الخروج منها سيكون سهلاً.
* نقلا عن : لا ميديا